الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"معركة صفين".. أول "خدعة" لرفع المصاحف وتمزيق صفوف المسلمين تحت ستار تحكيم "كتاب الله"

صدى البلد

وقعت معركة صفين عام 36هـ وكانت بمثابة نقطة تحول فى تاريخ المسلمين، فبعدما كان المسلمون صفاً واحداً أصبحوا صفوفاً وفرق كثيرة يقتل بعضهم بعضاً، وكانت الثمرة الناتجة من هذه المعركة ظهور ما يسمى بالخوارج الذين قاموا بتكفير الصحابة والدعوة لقتالهم فأصبحوا من أشر البلاء على المسلمين والإسلام.
أسباب معركة صفين
ذكر بعض المؤرخون أن بعد الانتهاء من معركة الجمل، أخذ الإمام علي يعد العدة لتجهيز الجيش لدخول الشام لإعادتها للخلافة الإسلامية، فعلم معاوية بخبر تحرك جيش الكوفة فأرسل جيشه بقيادة "أبو الأعور الأسلمي" إلى بقعة يقال لها "صفين" وأمرهم بأن يعسكروا على نهر الفرات لمنع المياه عن جيش الإمام علي.
وتوجه أبو الأعور الأسلمي بالجيش واحتل الموقع ، وبعد فترة وصل مقدمة جيش الإمام علي بقيادة "مالك الأشتر" على أربعة آلاف رجل إلى نفس المكان وأدرك خطة معاوية في السيطرة على موضع الماء، فشنَّ مالك حملةً على جيش أبو الأعور الأسلمي واحتل مكانهم.
علم معاوية أن مالك الأشتر أحتل المكان فتقدم بنفسه ومعه جيش جرار وانضم إليه جيش أبو الأعور الأسلمي فانسحب مالك الأشتر إلى الخلف تاركاً لهم المكان لحين وصول الإمام علي ومعه مائة ألف رجل.
وصل الإمام علي مع جيشه فانضم إليه مالك الأشتر وأخبره بالأمر فأرسل الإمام علي "صعصعة بن صوحان" إلى معاوية يطلب منه أن يحيد مياه الفرات عن الجيشين لأن الدواب لا ذنب لها لكن معاوية رفض وقال : لن يشربوا الماء حتى يموتوا بأجمعهم عطشاً ، وانتظر الأمام علي لعل معاوية يفسح المجال ومن ثم يتم الحوار في السبب الجوهري لخروج الجيشين إلا أن معاوية أصر على موقفه .
أمر الإمام علي مالك الأشتر بأن يحمل على جيش معاوية، فاتجه مالك ومعه 12 ألف مقاتل وحمل على جيش معاوية فاشتعلت المعركة وارتفعت السيوف وسقط الجرحى والقتلى ولم يتوقف القتال إلا بعد أن ترك جيش معاوية مكانه وتراجع إلى الخلف تاركاً ماء الفرات لمالك الأشتر وجيشه.
طلب الجيش من الإمام على أن يُمنع الماء عنهم كما فعلوا ، لكنه رفض وقال اتركوهم يأخذوا ما يشاءون فإن الله نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم.
مقتل الصحابى "عمار بن ياسر"
ظل الجيشان متقابلين يدور الحوار بينهما أملا للوصول لنتيجة دون جدوى فبدأ القتال بينهما مرةً أخرى وازداد ضراوة فازداد القتلى والجرحى ، ومع مرور الوقت انتشرت الجثث على مدى البصر في أرض صفين ونادى منادٍ لقد فُنيت العرب أوقفوا القتل.
ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنه قُتل من أنصار معاوية 45 ألفاً مقابل 25 ألفاً من أنصار الإمام علي، وكان ضمن من قُتل في معركة صفين الصحابي الجليل عمار بن ياسر وكان في صف الإمام علي.
والجدير بالذكر أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد قال " ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار " البخاري.
وبعد مرور أكثر من ثلاثة شهور من بداية المعركة ومقتل أكثر من 100 ألف قتيل أصبح الميزان يميل إلى جيش الإمام علي، وعلم معاوية أنه لا مجال لانتصاره في المعركة واقتربت الهزيمة منه نتيجة اقتراب جيش الإمام علي منه بعد سقوط أغلب خطوطه الدفاعية.
واقعة التحكيم ورفع المصاحف على أسنة الرماح
فأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يأمر الجيش برفع المصاحف ‍ويطلبوا التحكيم بكتاب الله ، وقال لمعاوية إن قبلوا فسيكون اختلاف بينهم وإن لم يقبلوا فستكون نفس النتيجة، فأستحسن معاوية فكرة عمرو بن العاص وأمر جيشه برفع المصاحف.
شعر الإمام علي بخدعة معاوية فأمر جيشه بالاستمرار في القتال إلا أن "الأشعث بن قيس" رفض القتال وطلب من الإمام علي أن يوقف القتال ويحتكم إلى القرآن، وأخذ يحرض الجيش على وقف القتال والاحتكام إلى القرآن ، فأزداد الضغط على الإمام علي لوقف القتال ، فشعر الإمام علي أنه لا مفر من وقف القتال خشية انقسام الجيش فأوقف القتال للتحكيم بالقرآن.
ولم يكن التحكيم بالقرآن إلا خدعة من عمرو بن العاص وتمرداً من "الأشعث بن قيس" ، والذي أصر أيضا أن يكون أبو موسى الأشعري ممثلاً عن جيش الإمام علي في التحكيم في حين أن الإمام علي أراد أن يكون مالك الأشتر ممثلا عنه أو عبد الله بن عباس ، إلا أن الأشعث وآخرون ضغطوا وأصروا على أبي موسى الأشعري .
اضطر الإمام علي أن يوافق على أبي موسى الأشعري بعد أن حزن لذلك وقال " يا عجباً أُعصَى أنا ويُطاع معاوية " ، دخل عمرو بن العاص ممثل معاوية وأبو موسى الأشعري ممثل الإمام علي الخيمة واتفق الأثنان على أن يخلعا الإمام علي ومعاوية من الحكم .
وبينما كان الجيشان بانتظار اتفاقهما النهائي حيث كان تنفيذ الاتفاق ملزما للطرفين ، اتفق الاثنان فيما بينهما على أن يطلبا الخلافة لعبد الله بن عمر بن الخطاب، ولما خرجا من الخيمة طلب أبو موسى الأشعري من عمرو بن العاص أن يخطب أولاً ليقول ما عنده .
فقال له عمرو بن العاص لم أكن لأسبقك في الرأي بل أنت تكلم أولاً ، فقام أبو موسى الأشعري وقال "أيها الناس إنا قررنا أن نخلع علي ومعاوية ، ألا وإني خلعت علياً كما أخلع عمامتي . وخلع عمامته" ثم جاء دور عمرو بن العاص فقال "أيها الناس إن أبا موسى قد خلع علياً فهو أعلم به وأنا أخلعه وأثبت معاوية عليكم".
فالتفت إليه أبو موسى وقال كذب عمرو لم نستخلف معاوية ، فرد عليه عمرو بن العاص بل كذبت أنت ،فقال له أبو موسى مالك ؟ لا وفقك الله غدرت وفجرت إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، فرد عليه عمرو بن العاص بل إياك يلعن الله كذبت وغدرت إنما مثلك مثل الحمار يحمل أسفاراً ، وبذلك وقفت المعركة دون نتيجة فدخل الطرفان في هدنة لمدة عام ورجع الجيشان.
وبعد فترة وجيزة طالب الذين كانوا يطالبون بوقف القتال والاحتكام للقرآن أن يرجعوا للقتال، لكن الإمام علي رفض طلبهم لوجود الهدنة وقال أما الآن فلن نحارب ، أبعد الرضا والميثاق والعهد نرجع نحارب أليس الله تعالى قد قال " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون " ، ولم يقتنع أولئك بالهدنة وأخذوا يكررون طلبهم بالعودة لقتال معاوية فلم يأبه لهم الإمام علي فانقلبوا ضده وأصبحوا فيما بعد يُعرفون بالخوارج .
ظهور الخوارج وقتال سيدنا على لهم
ذكر الإمام ابن كثير أنه لما رجع الإمام علي مع جيشه إلى الكوفة وبقى هناك ينتظر انقضاء سنة كاملة مدة الهدنة بينه وبين معاوية كي يتمكن من بدء جولة جديدة ضد معاوية للقضاء على التمرد في الشام وتوحيد الدولة الإسلامية ، لكن الخوارج استمروا في الضغط والتهديد لمواصلة قتال معاوية.
ولما لم يلتفت الإمام علي لرغبتهم كفَّروه، ثم أعلنوا الحرب عليه فدارت معركة نهروان فقضى عليهم الإمام علي.
رجع معاوية إلى الشام وبدأ يفكر في كيفية التخلص من خطورة جيش الكوفة وكان عمرو بن العاص يخطط له ، فاتفقا بجعل المناطق التي تقع تحت سيطرة الإمام علي في حالة رعب وعدم الاستقرار ليشغله ذلك عن التفكير بالتحرك نحو الشام، أخذ معاوية يرسل جيوشه على شكل عصابة خلسة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الإمام علي للقتل والنهب.
فأرسل جنده إلى الأنبار بالعراق وقاموا بالقتل والنهب وتدمير الممتلكات، ثم أرسل معاوية جيش آخر خلسة إلى صنعاء بقيادة "بسر بن أرطأة" الذي ارتكب أمهات الجرائم هناك فقتل حتى أطفال الموالين للإمام علي".
وفاة الإمام علي
تعرض الإمام علي أثناء سجوده في صلاة الفجر إلى ضربة غادرة بسيف مسموم من عبد الرحمن بن ملجم انتقاما للخوارج . وكان ذلك فجر التاسع عشر من رمضان عام 40 للهجرة ، واستشهد الإمام علي في يوم الحادي والعشرين من الشهر نفسه ، أي بعد ثلاثة أيام من الضربة التي تلقها بسيف ابن ملجم المسموم.