الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«عقبة بن عامر».. شارك في فتح مصر.. وعين «واليا» عليها

صدى البلد

يعتبر عقبة بن عامر بن عبس من الصحابة المفتين، وشهد فتح مصر مع عمرو بن العاص، واستخلفه عثمان بن عفان، واليًا على مصر خلفًا لعبد الله بن سعد بن أبي السرح.
نسبه:
عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن رفاعة بن مودوعة الجهني، الإمام الْمُقْرئ، أبو عبس، ويقال: أبو حماد، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو الأسد المصري، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.
جهاده:
وكان البريد إلى عمر بفتح دمشق، وشهد فتح مصر مع عمرو بن العاص، واختط بها، وكان عقبة من الرماة المذكورين، وقيل: رحل إلى مصر بعد الفتح واستقرَّ بها، وذكرت بعض المصادر أنه لم يكن في جيش عمرو بن العاص عندما تحرك لغزو مصر، ولكنه كان رسولَ عمر بن الخطاب إلى عمرو عندما فكر عمر في سحب الجيش وتأجيل فتح مصر، فأرسل عقبة إلى عمرو يأمره أن يعود بالجيش إلى الشام، ويروى أن عمروًا استقبل رسالة عمر من عقبة ولم يفتحها حتى تيقن أنه في داخل أرض مصر، ولما فتحها وجد فيها عمر يطلب منه العودة إن كان لم يدخل أرض مصر، فلما سأل الأدلاء أين نحن الآن قالوا: في أرض مصر. فقال: سيروا
إذن على بركة الله، وبذلك شهد عقبة فتح مصر، واستقر بها.
ولايته على مصر:
ولما حدثت الفتنة في آخر خلافة عثمان بن عفان، وكان والي مصر عبد الله بن سعد بن أبي السرح أحد أسباب تلك الفتنة، فقد خرج عبد الله إلى المدينة لمقابلة الخليفة عثمان، واستخلف على مصر عقبة بن عامر، وقتل عثمان أثناء ذلك، وتولى الخلافة علي بن أبي طالب؛ فعزل عبد الله بن سعد وعقبة بن عامر عن ولاية مصر، وولاها قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما.
ثم استولى على مصر جماعة من قبل علي بن أبي طالب، وقاتلوا عقبة بن عامر، فخرج عقبة إلى الشام وانضم إلى معسكر معاوية، وشهد معركة صفين مع معاوية بن أبي سفيان، ثم عينه معاوية واليًا على مصر بعد موت أخيه عتبة بن أبي سفيان في سنة أربع وأربعين.
ولما أراد معاوية عزله أمره بغزو جزيرة رودس في البحر المتوسط -بحر الروم- وعيَّن مكانه مسلمة بن مخلد، فبلغ ذلك عقبة فقال: "أَخُلْعانًا وغُرْبة!".
وكان ذلك لعشرٍ بقين من ربيع الأول سنة سبع وأربعين، وكانت ولايته على مصر سنتين وثلاثة أشهر.
عِلْمُه وما رُوي عنه من الأحاديث:
كان عقبة بن عامر راويةً للحديث النبوي الشريف، ويروى أن له في مسند بقي خمسةً وخمسين حديثًا. قال ابن عبد الحكم في كتابة "فتوح مصر وأخبارها": إن أهل مصر يروون عنه نحو مائة حديث، وذكر منها عددًا كبيرًا، وهاك بعض ما رُوي عنه من الأحاديث:
رُوي عن عقبة أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((مَنْ كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، فأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته، كُنَّ له حجابًا من النار)).
رُوي عن عقبة أنه قال: بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الهجرة، وأقمتُ معه. وعن أبي عبد الرحمن الحبلي: أن عقبة كان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، فقال له عمر: اعرض علَيَّ، فقرأ، فبكى عمر.
وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ توضأ فجمع عليه ثيابه ثم خرج إلى المسجد كتب له كاتباه بكل خطوة عشر حسنات، ولم يزل في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه)).
وعَدَّدَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لعقبة فضل المعوذتين، وحثَّه على قراءتهما، وهو من ضمن الأحاديث التي عددها له ابن عبد الحكم. قال: قال عقبة‏: ((كنت آخذًا بزمام بغلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض غاب المدينة، فقال لي‏:‏ يا عقبة ألا تركب؟ فأشفقت أن تكون معصية، فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وركبت هنيهة، ثم ركب فقال‏:‏ ألا أعلمك سورتين؟
فقلت‏:‏ بلى يارسول الله، قال‏:‏ فأقرأني: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾، ثم أقيمت الصلاة، فتقدم وصلى بهما، وقال‏:‏ اقرأهما كلما نمت وقمت)).
وذكر له أبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء" بعض الأحاديث، منها: قول عقبة: ((خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في الصفة، وكنت من أصحاب الصفة، فقال: أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان، فيأتي كل يوم بناقتين كوماوين زهراوين فيأخذهما؟ قلنا: كلنا يا رسول الله يحب ذلك. قال: فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خيرٌ له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع، وأعدادهن من الإبل)).
تلاميذه ورواته:
وقد روى عنه بعضُ الصحابة وعددٌ كبيرٌ من التابعين. قال الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر في "الإصابة":‏ "روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا، وروى عنه جماعةٌ من الصحابة والتابعين، منهم : ابن عباس، وأبو أمامة، وجبير بن نفير، وبعجة بن عبد الله الجهني، وأبو إدريس الخولاني، وخلق من أهل مصر"‏.
وأضافت بعض المصادر: أبو الخير مرثد اليزني، وسعيد بن المسيب، وعلي بن رباح، وأبو عمران أسلم التجيبي، وعبد الرحمن بن شماسة، ومشرح بن هاعان، وأبو عشانة حي بن يؤمن، وأبو قبيل المعافري، وسعيد المقبري.
عمله بالإفتاء:
قال أبو سعيد بن يونس‏:‏ كان عقبة قارئًا، عالِمًا بالفرائض والفقه، صحيحَ اللسان، شاعرًا، كاتبًا، وهو آخِرُ مَن جمع القرآن. قال‏:‏ ورأيت مصحفه بمصر على غير تأليف مصحف عثمان، وفي آخره‏:‏ كتبه عقبة بن عامر بيده‏.‏
ولم يذكر ابنُ حزم ولا ابنُ قيم الجوزية عقبةَ بن عامر في المفتين من الصحابة، لا المكثرين منهم ولا المقلين، ولكنه كان مع ذلك -حسب إجماع كل المصادر التي تحدثت عنه- عالِمًا مقرئًا فصيحًا فقيهًا فرضيًّا شاعرًا كبيرَ الشأن، وذكر الذهبي وابن خلكان وابن تغري بردي أن الصحابة كانوا يستفتونه في أمور دينهم، ويكفي أن كلَّ المفتين المصريين من جيل التابعين قد تتلمذوا على يديه.
نماذج من فتاواه:
ومن أشهر الفتاوى التي تنسب إلى عقبة، والتي أُخذ بها في معاملة المصريين على الدوام: فتواه بأن مصر فُتحت صلحًا، وهو الرأي الذي أخذ به المفتون من بعده، منهم: يزيد بن أبي حبيب، والليث بن سعد، وغيرهما.
وفاته:
وتوفي عقبة في سنة ثمان وخمسين بمصر، وقبره يزار بالقرافة‏، وفي القاهرة "مسجد عقبة بن عامر" بجوار قبره، وللشهاب أحمد بن أبي حجلة التلمساني كتاب "جوار الأخيار في دار القرار" في مناقبه في مائة وعشرين ورقة، وهو مخطوط بمكتبة الأزهر الشريف.

قال‏ ابن عبد الحكم:‏ "وليس في الجبَّانة قبرُ صحابي مقطوعٌ به؛ إلا قبر عقبة، فإنه زاره الخلف عن السلف". قال‏:‏ "ولأهل مصر فيه اعتقاد عظيم، ولهم عنه نحو مائة حديث".