الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سلعة الدولار


الدولار فى كل دول العالم عملة عالمية يتم استخدامها فى شراء السلع والخدمات والمعاملات المالية، أما فى مصر فقد تحول إلى سلعة، فالدولار فى مصر يتم بيعه وشراؤه كسلعة فى حد ذاته، سواء كان ذلك من خلال شركات الصرافة أو من خلال تجار العملة أو حتى فى المعاملات اليومية بين الناس العادية، ناهيك عن الشراء بغرض التخزين لتمويل عمليات الاستيراد المستقبلية.

لذا صار الدولار فى مصر يخضع لقواعد العرض والطلب الخاصة بأى سلعة،  فالسعر يزيد عند نقص العرض ويقل عند زيادة العرض بغض النظر عن قيمة السلعة فى الخارج، بدليل أنك تجد قيمة الدولار فى الولايات المتحدة تزيد وترتفع طبقًا للبيانات الاقتصادية فى الولايات المتحدة، وفى مصر لا يحدث أى تأثر بالسلب أو الايجاب لأن المشترى المصرى يبيع ويشترى المعروض داخل مصر، وهو ما يطلق عليه البعض تهربًا من الواقع بتعبير (الدولرة).

وهذا يأخذنا الى أصل مشكلة الارتفاع المتوالى لسعر صرف الدولار أمام الجنيه فى مصر، وأحسب والله أعلم، أن منحنى الزيادة اليومية لن يتوقف فى القريب العاجل ما دامت الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءًا يومًا بعد يوم فى ظل الفشل الحالى فى إدارة ملف الاقتصاد فى مصر.

 ففى لبنان كان الدولار يساوى ثلاثة ليرات وفى خلال الانهيار الاقتصادى الذى صاحب الحرب الأهلية صار الدولار يساوى ألف ليرة لبنانية، وما نحن عن لبنان من الناحية الاقتصادية ببعيد.

ففى مصر مصادر سلعة الدولار محصورة فى إيراد قناة السويس، وهى إيرادات تراجعت هذا العام عن العام الذى قبله نتيجة تراجع حركة التجارة العالمية لأسباب بعيدة عن القناة وإدارتها، وعائدات السياحة التى تبخرت مع حوادث سقوط الطائرات فى سيناء وفى البحر المتوسط، وعائدات الصادرات وهى والحمد لله ما زالت باقية رغم معاناة المنتجين والمصدرين المصريين مع الأحقاد جانب ومع البيروقراطية جانب، ولكنها فى النهاية تنمو ببطء بفضل الله ثم بإصرار المصدرين والمنتجين المصريين على البقاء فى الأسواق الدولية.

أما مصادر استهلاك الدولار فهى تنحصر فى المشتريات الحكومية من الخارج سواء كانت للأمن العسكرى أو الشرطى، أو واردات السلع سواء كانت سلع ضرورية أو استفزازية، أو تحويلات كبار المستثمرين المصريين والأجانب إلى خارج البلاد سواء بعد تصفية أعمالهم أو تحويل أرباح مشروعاتهم القديمة، فى النهاية ما يخرج من مصر من دولارات معروف ومعروفة أسباب خروج هذه الدولارات ومن الممكن مراجعتها.

ومن هنا فإن أى حديث عن تخفيض سعر الجنيه أو بالأدق زيادة سعر سلعة الدولار لن يؤدى إلى أى فوائد اقتصادية من أى نوع، فهو لن يؤدى الى عودة السياحة لأن السياحة كانت تأتى بكافة والدولار لا يساوى خمسة جنيهات، وانقطاع السياحة الخارجية ليس له علاقة من قريب أو بعيد بسعر صرف الدولار،  وايرادات قناة السويس لن تزيد لأنها مرتبطة بحركة التجارة العالمية وليس بسعر الدولار،  أما الصادارات المصرية فهى بكل تأكيد سوف تستفيد من خفض قيمة الجنيه،  ولكن هذه الفائدة ليست وحدها هى من ستزيد الصادرات، ناهيك عن أن حجم الصادرات المصرية بصفة عامة لا يكاد يذكر فى السوق العالمى.

أما الواردات من السلع الضرورية من قمح ولحوم وسكر فسوف تزيد أسعارها بصورة كارثية على المستهلك المصرى فى الداخل , أما السلع الاستفزازية فلن يتوقف استيرادها مهما زاد الدولار، لأن من يدفع ألف جنيه ثمن وردة طبيعية مستوردة أو علبة شيكولاتة أو غذاء لحيواناته الأليفة فى بيته فلن يتوقف عن شراؤها ولو تضاعف سعرها عدة مرات، من سيتوقف عن شراء الأكل الضرورى لبقاؤهم على قيد الحياة هم الفقراء فى القرى والنجوع والكفور.

ولذا أتمنى ان نفكر مليون مرة قبل الاقدام على كارثة تخفيض قيمة الجنيه مرة أخرى فى المعاملات الرسمية فى البنوك لأنه سيأخذ معه المعاملات غير الرسمية خارج البنوك الى أرتفاعات جنونية لسعر الدولار،  الذى سيأخذ معه بالتبعية أسعار الغذاء الى عنان السماء، والفقراء والمعدمين فى مصر لن يتحملوا أى زيادة أخرى فى أسعار السلع الضرورية بعدما بدأ البعض بالفعل فى التحاف السماء، ولذا سيفكرون فى بديل آخر غير شراء السلع الضرورية لبقاؤهم على قيد الحياة التى لا يستطيعون شراؤها، وساعتها لن يكون أمامهم سوى الحصول على ما لا يستطيعون شراؤه عنوة ممن أشتروه أو ممن قادرين على شرائه .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط