الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سبب نذر سيدنا أيوب ضرب زوجته مائة جلدة

صدى البلد

ذكر المفسرون قصة حلف سيدنا أيوب -عليه السلام- أن يجلد زوجته مائة جلدة في تفسير قول الله عز وجل: «وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ» سورة ص/44 ، غير أنه لم يرد في بيان سبب حلف أيوب عليه السلام هذه اليمين حديث مرفوع صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال العلامة الطاهر بن عاشور في كتابه "التحرير والتنوير" (23/167): «وهذا له قصة أخرى أشارت إليها الآية إجمالا، ولم يرد في تعيينها أثر صحيح".

وورد ذلك في تفسير بعض التابعين، واختلفوا في ذكر السبب، غير أن أكثرهم قالوا: إن زوجة أيوب طلبت منه عليه السلام أن يتكلم بكلمة كان إبليس عليه لعنة الله قد طلب من أيوب عليه السلام أن يتكلم بها، وهي كلمة غير شرعية، إما فيها تسخط على أقدار الله عز وجل، أو نسبة الشفاء لغير الله، فأبى أيوب عليه السلام، وحلف إن شفاه الله أن يعاقب زوجته التي استجابت لما وسوس به إبليس اللعين.

وأوضح قتادة: «كانت امرأته قد عَرَضت له بأمر، وأرادها إبليس على شيء، فقال: لو تكلمت بكذا وكذا، وإنما حملها عليها الجزع فحلف نبي الله: لِئن الله شفاه ليجلِدنَّها مائة جلدة، فأمر بغصن فيه تسعة وتسعون قضيبا، والأصل تكملة المِائَة، فضربها ضربة واحدة، فأبرّ نبيُّ الله، وخَفَّفَ الله عن أمَتِهِ، والله رحيم».

وبيّن الحافظ ابن كثير سبب قوله تعالى: «وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ» ذلك أن أيوب عليه السلام كان قد غضب على زوجته، ووجد عليها في أمر فعلته، وقيل: إنها باعت ضفيرتها بخبز، فأطعمته إياه، فلامها على ذلك، وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة، وقيل: لغير ذلك من الأسباب.

وأشار ابن كثير إلى أنه لما شفى الله تعالى سيدنا أيوب -عليه السلام- وعافاه ما كان جزاء زوجته مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب، فأفتاه الله عز وجل أن يأخذ ضغثًا – وهو : الشِّمراخ -، فيه مائة قضيب، فيضربها به ضربة واحدة، وقد بَرّت يمينه، وخرج من حنثه، ووفى بنذره، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأناب إليه، ولهذا قال تعالى: «إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ» وأثنى الله تعالى عليه ومدحه بأنه: «نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ» أي: رَجَّاع منيب، ولهذا قال تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» الطلاق/2-3.

واستدل كثير من الفقهاء بهذه الآية الكريمة على مسائل في الأيمان -الحلف- وغيرها، وأخذوها بمقتضاها، ومنعت طائفة أخرى من الفقهاء من ذلك، وقالوا: لم يثبت أن الكفارة كانت مشروعة في شرع أيوب عليه السلام، فلذلك رخص له في ذلك، وقد أغنى الله هذه الأمة بالكفارة.