الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منطقة السر المُطلسم!!


كى ندرك حجم النعم التى نعيش فيها علينا أن نرى كيف يعيش غيرنا بدون هذه النعم، فالضد يُظهر حُسنهُ الضد، وإن كانت هذه النعم هى ألف باء حياة فى أى مكان آخر على وجه الأرض، إلا أن بعض مناطق الأرض بعض سكانهم لا يعرفون من الألف إلا الألم، فهى منطقة تقع فى جنوب إحدى الدول التى كانت يومًا ما أرض الحضارة والرقى والتقدم عندما كان معظم سكان العالم يعيشون فى الكهوف فى الصحراء الجرداء وعلى سواحل البحار.

كانت هذه المنطقة فى الماضى البعيد هى العاصمة للدولة وسر نهضتها، ولكنها فى الماضى القريب صارت منفى لكل فاسد أو مغضوب عليه من صغار أو كبار الموظفين لأى سبب كان، سواء كان هذا السبب خلاف على نظام الحكم أو خلاف على مصروف البيت بين موظف وحماة المسئول الكبير، فيتم نقل هذا الموظف على أثره الى هذه المنطقة البعيدة عن العاصمة وعن كل شئ , ومع مرور الوقت صارت بعيدة عن كل شئ وكأنها دولة مجاورة , حتى ان وزراء الحكومة عندما يزورونها يتم تعليق لافتات الترحاب بهم فى الشوارع والميادين وكأنهم فى زيارة الى دولة شقيقة لدولهم أو الى منطقة حكم ذاتى .

ومع مرور الوقت صارت هذه المنطقة تضم خليطًا من الموظفين المنقولين إليها إما عقابًا على تمسكهم بالشرف والأمانة، أو العكس عقابًا على تخليهم عن الشرف والأمانة فى عملهم، فذلك كان يتوقف على من اتخذ قرار النقل، فإن كان فاسدًا نفى الشرفاء إليها، وإن كان صالحًا نقل الفاسدين , ولكن القاسم المشترك بينهم هو أنهم كانوا جميعًا غرباء وبعيدين عن المراقبة والحساب من الوزراء والمدراء فى العاصمة، ولذا كون كل منهم دولته الخاصة به , وكانت دويلاتهم مجهولة للدولة الم نظرًا لضعف التواصل بين الناس فى الماضى.

لكن فى وقتنا الحاضر ومع تطور وسائل الاتصال والتواصل وانتشار التعليم فى هذه المنطقة، وهجرة بعض أهلها إلى خارجها سواء كانت هجرة داخلية إلى العاصمة أو هجرة خارجية بعيدًا عن البلاد بأكملها عبر صحارى النفط القاحلة فى الخليج أو عبر المتوسط إلى المجهول فى أوروبا بحثًا عن لقمة العيش، اكتشف معظم سكانها أنهم يعيشون خارج الزمن، وأن دويلات هؤلاء الموظفين موجودة عندهم فقط، وأن باقى مناطق الدولة التى ينتمون إليها تعيش بنظام آخر مختلف تمامًا سواء كان هذا النظام قويًا أو ضعيفًا، واكتشفوا مع هجرتهم الداخلية والخارجية أن الجهل والعنف والمرض الذى ترعرع فى منطقتهم وصار حكرًا عليهم أحد أهم أسبابه أصحاب هذه الدويلات فى مناطقهم.

أما سكان مدنها فقد صارت مقومات الحياة الأساسية من مأكل صحى وملبس مناسب ومسكن لائق حلم بعيد المنال بالنسبة لشبابها على مختلف أعمارهم , نتيجة أنعدام الرؤى التنموية فيها , ونتيجة لتحويل هذه المنطقة لمنفى للمغضوب عليهم تارة وحقل تجارب للمسئولين الجدُد تارة أخرى , فتجد الشخص المغمور وقد صار محافظًا وعديم الكفاءة قد صار مديرًا واللص يأكل على موائد الجميع , وعلى الرغم من المنح الالهية فيها من موارد بشرية وطبيعية منحها الله لها كى ينعم بها أهلها ان أحسنوا أستخدامها الا أنها تحتكر أعلى نسب الفقر على مستوى الدولة , ففى كل عام تحتل محافظة من محافظاتها المركز الاول دون منازع .

هذه بعض ملامح من بحر الألم فى هذه البقعة من بقاع الارض الطيبة , وفى المقالات القادمة ان شاء الله سوف نتناول بعض ملامح الحياة اليومية في هذه المنطقة من العالم أملًا فى ان يتحول الكلام عن التنمية والمشروعات الى واقع ملموس , وأملًا فى ان يتم تعويض أهلها عن سنوات طوال من التجاهل والاهمال , أما أسم هذه المنطقة من العالم فلم يعد سرًا مطلسمًا فى العالم بل بات أستمرار الاوضاع فيها هو السر المطلسم نفسه , ومرحبًا بكم فى الصعيد .

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط