الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل تسد المخالفات احتياجات سوق الإسكان؟


حينما أعلن الرئيس الأسبق مبارك عن نية استهداف بناء 500 ألف وحدة سكنية ضمن مشروعات ضمها برنامجه الانتخابي عام 2005، كان خبراء يشيرون إلى أزمة رقمية فى مجال الإسكان تتمثل فى توجه القطاع الخاص نحو الإسكان الفاخر والاستثماري، مقابل تراجع دور هيئة المجتمعات العمرانية فى البناء للفئات الأقل، وسط ظهور قوي لاحتجاجات سكان مناطق خطرة وداهمة الخطورة من المحرومين من حقهم فى السكن الملائم أو المناسب على أقل تقدير.

وأشارت تقديرات هؤلاء وقتئذ إلى ثلاثة ملايين وحدة تحتاجها سوق الإسكان فى مصر فعليًا، مقابل وجود أكثر من ثلاثة ملايين أخرى تحتفظ بها الفئات القادرة بهدف الاستثمار أو قل "التخزين" وليس "الإشغال"، تضمها مدن جديدة خاوية ومنتجعات تستقبل أربابها فى "الويك إند" وفقط، ما يؤكد وجود خلل فى خطط الاستثمار فى الإسكان وقتئذ والسياسات الداعمة لمنفذيها، ولم تكن هجمات محرومين من السكن على وحدات بنتها الحكومة وأغلقتها انتظارًا لتقارير لجان حصر مستحقين، تلاعبت بحقوق بعض هؤلاء، إلا تعبيرًا عن الحالة الاجتماعية السيئة لتلك الفئة، والتى نتجت عن سياسات التطنيش لها، لتقابلها حركات الغزو العشوائي بعد ثورة يناير، لمناطق سُميت شعبيًا بـ"المحتلة" فى مدن جديدة وأخرى تابعة لمحافظات.

بعد يناير سارعت حكومة عصام شرف فى الإعلان عن برامج متنوعة لاستيعاب احتياجات الفئات المتوسطة والمهمشة من السكن بمساحات تبدأ من 40 مترًا لغير القادرين، و 63 مترًا للشباب، وصولًا إلى 120 مترًا للطبقة الوسطى، ووضعت الحكومات المتعاقبة محددات وشروط للحصول عليها، وكانت نقابات حصلت على أراضي لأعضائها، فشلت فى إنجاز عمليات البناء عليها، بينما الشركات التى ساهمت فى بناء ما وعد به مبارك فى 2005 من وحدات، قد حارت فى تسويقها بعد ارتفاع سعر الوحدة 63 مترًا لأكثر من 120 ألف جنيه للدفع الفوري، ووصول ثمنها بالتقسيط لنحو 180 ألف جنيه بالتقسيط فى بعض المشروعات التى لم تكتمل مرافقها، رغم أن تشطيب الوحدات لم يزد عن "محارة" جدرانها.

مقارنة أسعار تلك الشركات لوحداتها فى ظل احتكار سوق الأسمنت والحديد وقتئذ، جعل المشروع الأكثر شعبية لمبارك وقتئذ يفشل المستفيدون منه فى إنجازه على الوجه الأمثل، لتظهر نماذج أقرب إلى العشوائيات المرتبة فى مناطق "ابني بيتك"، وتتلاعب حكومة نظيف الثانية بأرقامها فتعلن بناء "الحكومة" وليس "شباب ابني بيتك" لأكثر من 270 ألف وحدة سكنية، بعد أن فتحت لهم باب التأجير والبيع لبعض وحداتهم فى "منازلهم" الناشئة تحت سطوة أعراب وبدو الصحراء.

تحركت مخالفات البناء على الأرض، الزراعية والمملوكة للدولة وداخل المناطق المهملة والمحرومة من التنمية والشعبية، مع امتداد المرحلة الانتقالية وفقدان أجهزة الدولة الرقابة والسيطرة على مخالفين للقانون، فنشأت مئات الآلاف من المباني المخالفة بارتفاعات كبيرة، تكاد تغطي احتياجات متأخرة للسوق العقاري تأخرت لسنوات، ولأنها مخالفات لم تسدد عنها رسوم التراخيص الواردة بالقانون 119 لسنة 2008 ، أصبحت أسعار وحداتها تنافس وحدات الإسكان التى تبنيها الحكومة فى مناطق لم تكتمل فيها سمات "المجتمع" وتبعد عن مراكز المدن الكبرى، فزادت عمليات الإقبال عليها والشراء، خصوصًا مع السماح بتوصيل المرافق لها لحين توفيق أوضاعها.

ومع غياب نظام لتسجيل تلك الوحدات أصبحت الفئات القادرة من ملاكها على توفير مقدمات حجز لأراضي أو وحدات إسكان اجتماعي لدى الدولة، فأشعلت سوق السمسرة فى شقق المدن الجديدة وأصبحنا نسمع عن ظاهرة "بيع الإيصالات" و"التوكيلات" للسداد وغيرها من أساليب التحايل على القانون، مقابل ارتفاعات غير مبررة أيضًا لوحدات تبنيها الحكومة وأراضي تطرحها فى قرعات متوالية.

أعتقد أن سياسات جديدة للتعامل مع سوق الإسكان فى مصر ترتكز على محاور أساسية بينها النظر بعين الاعتبار للطبقات الوسطى المتآكلة وعدم إهمال دورها فى ظهور استثمار شعبي واسع بسوق الإسكان غير المنظم، وترتيب أوليات ووضع قواعد جديدة للتنمية العمرانية تستهدف خلق "مجتمعات بشرية" داخل أحوزة عمرانية ذات أنشطة وعوائد اقتصادية حقيقية، يمكن أن تعيد لمفهوم "السكن" اعتباره ومعناه الحقيقي، وقتها لن تفرض مخالفة واقعها على الدولة والمواطن، ولن يقبل مصري بأقل مما يستحق.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط