الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لماذا يتعامل أردوغان بعصبية ونبرة صوت عالية؟


هناك حقيقة معروفة في علم النفس، وهى أن الإنسان إذا كانت نبرة صوته عالية بشكل مستمر وينتهج الهجوم العدائي لمن حوله مع عدم اختلال توازنه العقلي يشخص ذلك بأن ذلك الإنسان ارتكب جرائم كبيرة ويريد إخفاءها أو توطئتها.

ومن هذا المنطق شاهدنا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ازدادت عدوانية وبدأ لا يعترف بالقانون عقب انكشاف القضاء الفساد والرشوة في عام 2013، حيث اتهمت النيابة العامة بتورط عدد من أشخاص في الحكومة التركية من بينهم رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء تركيا آنذاك، وفي حال صدور أي ادعاء سلبي يتعلق بشخصه أو عائلته أو الحكومة أو حزب العدالة والتنمية يسحب أردوغان زناد القنبلة اليدوية ويعمل على تغيير القضية وطمسها بطرح موضع آخر على الرأي العام.

وفي الخامس والعشرين من فبراير/ شباط كانت المحكمة الدستورية التركية قد أعلنت أن اعتقال جان دوندار وأردم جول، الصحفيين الذين ألقى القبض عليهما لنشرهم صور السلاح المرسل إلى داعش، هو انتهاك للحقوق والحريات. أما أردوغان فقال إنه لن يعترف بقرار المحكمة وانتابه الغضب خلال بث حي ليرفع نبرة صوته واصفا جان دوندار، رئيس تحرير صحيفة جمهوريت التي نشرت علاقة الحكومة التركية الملوثة مع تنظيم داعش الإرهابي، ونائبه أردم جول بالجاسوسين والعميلين.

حسنا ما هي النتائج التي أسفر عنها هذا الموقف الغاضب من أردوغان. مع أن أردوغان نجح في تغيير الرأي العام التركي إلا أنه لم يفلح في إقناع أحد بمن فيهم أعضاء حزبه بأن جان دوندار وأردم جول جواسيس، ووجدنا في هذه الفترة الإعلام الموالي لأردوغان نشرت أخبارا غير مقنعة لتأييد أردوغان بسبب الخوف الشديد من بطشه وجبروته.

لننتقل الآن إلى مسرحية الانقلاب. وقد أثار أردوغان علامات استفهام في عقول الناس حول الانقلاب بتصريحاته الثلاثة المتناقضة بشأن موعد تلقيه خبر وقوع الانقلاب في ثلاث قنوات تليفزيونية شاركها عقب المحاولة. لن أشرح هنا للقراء تفاصيل هذا الانقلاب الزائف الذي لم يصدقه أي صاحب عقل سليم في العالم.

وفي هذا الصدد لا بد أن أقول إننا لم نُفاجأ من اتهام أردوغان منذ اللحظة الأولى لمحاولة الانقلاب المفكر الشهير عالميا وأحد ممثلي السلام والتسامح السيد فتح الله كولن بالتورط في تلك المحاولة الانقلابية. فهو يواصل توجيه افتراءاته وإهاناته للأستاذ كولن ومحبيه بعصبية ونبرة صوت عالية على جميع المنصات منذ نحو أكثر من شهر.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا أنه كم دولة صدقت هذه الافتراءات بحق حركة الخدمة التي تباشر خدمات تعليمية في 173 دولة حول العالم؟ سأجيب عن هذا السؤال: هذه الدول تنحصر في ثلاث دول فقط وهي الصومال وقطر وبلغاريا. ينتابني الفضول حول الموقف الذي ستتخذه وسائل الإعلام التابعة للحكومة التركية، التي أعلنت حتى الأمس أن المملكة العربية السعودية تقف مع الحكومة التركية في قضية محاولة الانقلاب، عقب تصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم لوسائل الإعلام. حيث صرح أردوغان أكتاش المدير العام لقناة “سي إن إن” التركية والصحفي المقرب للرئيس أردوغان بأن يلدرم أوضح في المؤتمر الصحفي الذي عقده معهم السبت أن حكومة الرياض كانت الداعم المادي للانقلاب. وهذه التصريحات ستثير غضب المملكة السعودية، إذ أن الكتاب السعوديين المقربين من الأسرة الحاكمة بدأوا يعلنون على حساباتهم بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” أن أردوغان قد خدعهم.

وبالعودة إلى موضوعنا بعد طرح مسألة توجيه رئيس الوزراء تلميح الاتهام السعودية في الانقلاب، سأقول إن أردوغان قد نجح بالفعل في تغيير الرأي العام لكنه فشل في اقناع العالم باستثناء أنصار حزبه بالمسرحية الأخيرة وبدأ يزداد عدوانية بمرور الوقت وبدأ يفقد أعصابه بالقدر الذي سيصل إلى الصراخ والاهانات والسب.

في الواقع كتب السيد فتح الله كولن، الذي يثير غضب أردوغان مؤخرا، مقالا في صحيفة لوموند الفرنسية التي تحظى بمتابعة دولية. وخلال المقال تحدى كولن أردوغان بقوله: “يقولون إنني العقل المدبر للانقلاب. لذا أطالب بأن تتولى لجنة دولية مستقلة التحقيق في الانقلاب. وإن أثبتت اللجنة واحدا بالمائة من الاتهامات الموجهة إلىّ أو اثبتت دعمي للانقلاب فأنا مستعد للعودة إلى بلدي تركيا”.

أما السيد أردوغان فلم يجب بعد على طلب كولن ولن يجيب لأن أردوغان يتصدر قائمة المخططين للانقلاب. فأردوغان يعلم أنه لو وافق على تولّى لجنة دولية التحقيق في الانقلاب فسيتبين أنه وراء هذا الانقلاب أو أحد المخططين. كما أنه يعلم إنه في حال موافقته على اللجنة الدولية فسيبرز اسمه في الملفات القضائية مثل قضية عبور الشباب الحدود للالتحاق بصفوف تنظيم داعش الارهابي والسلاح المرسل إلى داعش والنفط المُشترى من داعش.

فإن كان أردوغان غير مذنب فلمَ سيعارض تولّي لجنة دولية مستقلة التحقيق في الأمر؟ أنا لا أطرح هذا السؤال على علماء النفس فقط بل على كل شخص عاقل.

إن عدنا إلى البداية فلا يمكننا إرجاع سبب غضب أردوغان إلى فشله في إقناع الناس بأن الصحفيين جواسيس وأن الآخرين هم من قاموا بالانقلاب. فمن الواضح أن سبب هذا الغضب نابع من الحقائق التي يعمل على طمسها ويخشى انكشافها.

وأتساءل هل من الممكن أن يكون السبب هو السماح بعبور الشباب من الحدود للالتحاق بصفوف داعش والسلاح المرسل إلى داعش والنفط المُشترى منه، وأحداث الفساد والرشوة التي يُزعم أنها تتجاوز مائة مليار دولار بتركيا؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط