الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قانون بناء الكنائس ... وألغام الفتنة ..!


مشهد ملغوم ... كل يوم يتلبس بضباب يجعلك غير قادر على فك الطلاسم التي تحيط به ..!! هل نحن فعلا بصدد تأسيس دولة مدنيه تعزز قيم المواطنة ... أم أننا نبحر ناحية النهاية اللاهبة بتسليم الدولة لفكر الكراهية السلفي ذو الطبع الطائفي ...؟
ماذا يعني أن تقدم الدولة قانون لبناء الكنائس يستغرق سطور تفصيليه لا تعنيها حول كل منحنيات الكنيسة وممراتها وسقفها وسورها وتفاصيل أماكن العبادة فيها وتفصيصها ... ليكون قانون طائفي بامتياز يلغي هوية الكنيسة وتميزها في وطن متعدد ظن أنه مدني يؤسس لبنيته الحديثة أهم الإرتكازات المعاصرة ..!!
لماذا لا يكون لدينا قانون ينظم حالة البناء وفقا للاشتراطات الهندسية والنظامية ويترك لكل مواطن أو جماعه أن تبني وفقا للقانون بطريقتها واسلوبها واحتياجاتها وينتهي عند ذلك الموضوع بدلا من إغراق المجتمع في استفزاز طائفي ينتهز للبناء فوقه بعض الجهلاء والمتمردين على قيم التسامح والسلام ممن يروجون لقيم البداوة في وطن حضاري عريق ..؟
ليخرج من بين صفوفنا مثلا فكر الكراهية السلفي محذرا ومنددا ببناء الكنائس خلف جمله من الأوهام التي يروجها دون المرور على كتاب الله بعدما أغرق جبهته في أقوال سلفه فلان وعلان ليجعل منها دينا موازيا يطمس به آيات الله في القرآن .!
فمن يرفض بناء الكنائس أو يضيقها أو يمنع صلبانها ويشوه هيئتها عليه أيضا أن يرفض للمسيحين بناء المساكن الخاصة بهم كونها تجيز لهم إقامه شعائرهم وحمل شعاراتهم .. فهل يعقل أن نمنع مواطن من أن يقيم بيتا يأوي إليه واسرته ويقيم فيه شعيرته وعبادته وشعاره ... ؟
فإذا أمتنع علينا ذلك امتنع أيضا أن نحول بينه وبين كنيسته التي هي في النهاية بيت من بيوت الله في الأرض منع الله هدمها واستعظم تخريبها بل ذكرها في سياق يستهدف حمايتها ورعايتها ....!
ليتضح أن من يمنع الهدم لا يمكن أن يمنع البناء ومن يحمى الجدران يقينا يبارك الدعاء ..!
فقد ورد في الآية 40 من سورة الحج قوله تعالى .. ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )
وقد ذكر مقاتل بن سليمان في تفسيره ( .دار الكتب العلمية - 385/ 2 ). كل هؤلاء الملل يذكرون الله كثيرا في مساجدهم فدفع الله عز وجل بالمسلمين عنهم ..
ولفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي كلام مستقيم بهذا السياق جاء فيه ..
إن الصوامع هي أماكن العبادة التي كان يقبع بها العَّباد والرهبان في قديم الزمان والبيع مساجد اليهود والصلوات كنائس المسيحيين والمساجد دور عبادة المسلمين ٬ هكذا جاء في بعض التفاسير٬ إن الصوامع والبيع والصلوات والمساجد كلها تمثِّل دور العبادة التي يُعبد فيها الله سبحانه وفيها يذكر فلولا مشروعَّية الجهاد ودفع الله الناس بعضهم ببعض لما بقي في الأرض بيت يُعبد الله تعالى فيه ..!
وقد ورد عن النبي أنه كان يوصي سراياه بقوله ..لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليدًا، أو امرأة، ولا كبيرًا فانيًا، ولا معتصمًا بصومعة، ولا تقربوا نخلًا، ولا تقطعوا شجرًا، ولا تهدموا بناءً..
ومن يدين الهدم لا يرفض البناء ... فمثله مثل من يدافع عن الحياة فإنه لا يطلب أبدا الفناء ...
وقد صار على النهج عمر بن عبد العزيز حين وعى عظمة المعنى فراسل عماله على الأمصار بمرسوم سياسي جاء فيه .. لا تهدموا كنيسة ... ولربما وصلته جَهالة البعض وتحرشهم بديانة القوم ومعابدهم كما تسرح وتمرح فتاوي السلفية اليوم وقد فُتح أمامها الطريق عبر ابتزاز خليجي يقايض مصر بالدعم مقابل تمرير أجندات الهوى السلفي في أروقة القاهرة ... !!
حينما بلغ عمر بن عبد العزيز ذلك عوق مسالك الجهلاء بمرسوم إداري حازم من أعلى سلطة في الدولة أنداك جاء فيه ... لا تهدموا كنيسه ولا بيعه ... كون الآيات تصدع برأسه وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ .... الله يسمي الكنائس صلوات ثم يأتي من يقول كيف نسمح ببناء بيت شرك دون أن يفهموا الآيات أو يدركوا فلسفة القوم وتصورهم لعقائدهم وتفسيرهم لمرادها وردودهم العقلية والعقائدية على ما يشاع عنهم من أقاويل وأكاذيب ...!
وإن كانوا كما تصف السلفية التي تغزو الأرض اليوم بفتنتها فكيف أجاز الله للمسلمين الزواج منهم وأكل طعامهم وأن يكونوا مع المسلمين أولوا أرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله .... أيجعل الله ذلك للكافرين مع المسلمين ...!!؟
المشهد برمته يحتاج لتجديد رؤيه كبديل للتجديف الذى يلهب الفتنه التي يصنعها جهل المتسولين للمعرفة الدينية اليوم ..
فلا ينبغي أن يكون هناك قانون طائفي يقسم الوطن ويعالج قضيه تنظيم بناء تحت عنوان ديني أو طائفي فليس للحجارة والحديد والرمل والإسمنت من هويه دينيه فنفس المواد التي تبني المساجد هي نفسها التي تبني البيع والكنائس التي يُذكر فيها اسم الله كثيرا ..
وكان على الدولة ألا تخوض في تفاصيل لا تعنيها وتجعل هناك قانون منظم للبناء تنتظم تحته كل الاشتراطات الفنية والنظامية الخاصة بأي بناء ومتروكه تفاصيله الداخلية وتصاميمه الخاصة للمنتفعين به والمترددين عليه والممارسين فيه شعائرهم وحياتهم .. سواء كان مسجدا أو كنيسة أو بيتا ريفيا .. كونه يلبي حاجة للمواطن بلا تكييف ولا تصنيف ولا لصق لهويه دينيه أو مذهبية تشق الوطن وتجعل التمييز شعارا يتمناه عدو متربص يعمل على دفع المتناقضات ثم استثمار أثارها ..!
فمتى نعرف وجهتنا ونستفيق من غفلتنا ونتوقف عن منح الخنجر المسموم لعدو طالما راوده حلم الحصول عليه ..؟
متى ندرك أننا بمناهجنا وواقعنا الثقافي والتعليمي اليوم نُكَبِر الوحش السلفي الذى سيلتهم الجيل القادم والذى يليه ولن يُبقى لنا في النهاية على الوطن الذى نحلم به ونحلم له ..؟
متى ندرك أن الطريق إلى الإسكندرية يأخذ اتجاه الشمال الغربي من القاهرة وليس الجنوب الشرقي ناحية الزاوية ؟متى ... ؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط