الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لغز "تعداد الأقباط" والنواب الأقباط في قانون بناء الكنائس !


يعتبر ملف تعداد أقباط مصر من الملفات الملغومة بالنسبة للمتطرفين والحكومات المتتالية على حد سواء، وتخشى الحكومة الإعلان عن التعداد بشكل شفاف لما يترتب عن ذلك من مراكز قانونية واجبة النفاذ ، من حيث تمثيل الأقباط بشكل عادل يتناسب مع عددهم في المناصب القيادية ومراكز صناعة القرار وبناء الكنائس والمجالس النيابية واالبرلمان.
 
لذا نجد الحكومة المصرية تتسابق مع التيارات المتشددة التي لا تعبر مطلقا عن سماحة الإسلام في التعتيم على العدد الحقيقي ، وكأنه سر أشد خطورة من الأسرار الحربية التي تهدد أمن مصر القومي ، مع أن المسلمين المعتدلين وهم كثر لا يرون أي حساسية أو إهانة لهم في إعلان العدد الحقيقي ، وأنه لمن المفجع حقا أن تعلن الحكومة عدم وجود حصر حقيقي لعدد الأقباط في مصر ، لأنه أن لم يكن لديها تعداد حقيقي فهي حكومة ساذجة أو فاشلة أو "بتستعبط" مع ثقتي الكاملة في امتلاكها للاعداد الحقيقية ولكن تخشى الإعلان عنها بسبب تشددها أو مغازلتها للتيارات المتشددة أو ربما لانه يراودها وهم كالوهم والخرافات التي يراها المتشددون وتيارات الإسلام السياسي بأن إعلان التعداد الحقيقي سيدفع بالاقباط لتأسيس دولة قبطية خاصة بهم وهو وهم وخرافة يرفضها الاقباط والمسلمون الشرفاء على حد سواء والكنيسة القبطية الوطنية عبر تاريخها الممتد والعريق.

أو ربما ترى الحكومة والإسلاميون أنه بالإعلان عن التعداد الحقيقي ستتهدد الهوية الإسلامية ، وهذا وهم اكبر لأن أقباط مصر مهما زاد عددهم أو نقص هم عون وأخوة للمسلمين .. فنحن دم واحد ومصير واحد ونضال واحد ..ولا يمكن لعاقل أن يقبل أن الاعلان الحقيقي للاقباط يتهدد الهوية الإسلامية ، أما بخصوص التعداد الحقيقي للأقباط فإن التصريح الأخير الصادر عن البابا تواضروس الثاني بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية منذ عدة شهور في لقاء معه بوفد من الإعلاميين الأفارقة فقد أوضح أن عدد اقباط مصر 18 مليونا ومن المؤكد أنه يتكلم بوثائق وحقائق مبنية على شهادات المعمودية وغيرها من الاوراق الكنسية ، كما افصح الكاتب الصحفي نبيل شرف الدين منذ عدة سنوات أن تعداد الاقباط وفقا لبطاقات الرقم القومي 17 مليونا وهو ما يؤكد ويزيد من صحة الرقم الذي اعلنه البابا ، والسؤال هنا : كيف لا تعلم الحكومة بتعداد الاقباط وهي تعلم عدد كل شيء في مصر!

وانظر لاحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء لترى عجبا.. وهل يعلم رؤساء الدول الاجنبية تعداد مصر اكثر من الحكومة المصرية، حيث إن الرئيس الامريكي جيمي كارتر عندما قابل البابا الراحل الانبا شنودة الثالث عام 1977 قال له أنت بابا لـ 7 ملايين قبطي وذلك في وجود الدكتور أشرف غربال سفير مصر في واشنطن بأمريكا ، حيث اصطحبه البابا شنودة الثالث ليكون شاهدا على كل ما يدور في اللقاء ، والعجيب انه في هذه الفترة كانت تعلن الدولة أن تعداد الأقباط مليونين فقط !!

والسؤال هنا كيف علم الرئيس كارتر بالتعداد، وليس خافيا عن أحد أن جيهان السادات زوجة الرئيس الراحل محمد أنور السادات كانت قد صرحت بأن تعداد الاقباط في وقتها 6 ملايين، ومن المؤكد أن هذا الرقم علمت به من مصادر رسمية حيث كانت زوجة الرئيس ، ولقد صدمت صدمة شديدة مؤخرًا عندما علمت عرض الحكومة مشروع قانون ببناء وترميم الكنائس واشترطت المادة الثانية فيه على البناء حسب التعداد الاقباط وحاجة الاقباط في المنطقة للكنيسة ، وقبل الخوض في أي شيء فإنني اسجل رفضي القاطع لهذا القانون العنصري الطائفي الذي فصله ترزية الحكومة ، وهو قانون مفخخ وملغوم وخطره في طائفيته وعنصريته.

وهذا الامر ربما يدفع بأن يكون به شبهة عدم دستورية لاقتصاره على الكنائس فقط دون دور العبادة الاخرى كالمساجد ، كما انه يتنافى مع الدستور الذي يؤكد على الوحدة الوطنية وعدم التمييز بين المواطنين وقد كتبت مقالا منذ عدة اسابيع بعنوان "اللهو الخفي في قانون بناء دور العبادة الموحدة" وأوضحت السر الخفي في عدم خروج قانون لدور العبادة الموحد للنور وأشرت الى أن اخطر سرين هما تعداد الاقباط وهو ما استشهد به بعدي الكاتب الصحفي مكرم محمد احمد ، والسر الاخر هو خوف الحكومة من مطالبة باقي الاقليات الدينية من حقوقها في بناء دور العبادة كالمصريين الشيعة واليهود وغيرهم وهو الرأي الذي استشهد به مؤخرا الانبا بولا ، إلا انني طالبت في المقال بحق كل المصريين مسلمين ومسيحيين ويهود في بناء دور عبادة لهم كحق إنساني واخلاقي وواجب ديني وحق دستوري طالما يؤدون شعائرهم بطريقة سلمية ولا تحرض ضد أديان ومذاهب الآخرين.

نأتي لموضوع تعداد الاقباط في القانون الذي اشارت إليه المادة الثانية لنسأل : هل تعداد الاقباط وفقا للكنيسة أم الحكومة ؟ فإن كان وفقا للكنيسة فنطالب الكنيسة والايبارشيات باظهار عدد الاقباط الحقيقي في المنطقة وحاجتهم للكنيسة من خلال شهادات المعمودية لديها ، إما إذا كان من وجهة نظر الحكومة فإنه إذا اصرت الحكومة على التعتيم على تعداد الاقباط واظهار اعداد ضئيلة وهزيلة كما يعلنها المتشددون فلن تبني كنيسة جديدة في مصر وإن بنيت ستقاوم بإجراءات وتعقيدات روتينية وربما أمنية وإدارية صارمة ، ومن هنا يجب وبالضرورة طالما أعلنت الحكومة أن الكنيسة تبنى وفقا للحاجة وعدد الاقباط بالمنطقة أن تعلن على الملأ التعداد الحقيقي ، وإلا فإن الكنيسة ستكون مضطرة للإعلان عن الرقم الحقيقي.

يا سادة .. إن الإسلام ليس ضد بناء الكنائس بل المتاجرون بالإسلام ، وانظروا الى عهد الرسول عليه السلام مع نصارى نجران وكيف أمّنهم على مالهم وكنائسهم ورهبانهم وبيعهم وصلبانهم وتعهد بحمايتها ، انظر الى قول الإمام الليث بن سعد " إن بناء الكنائس من عمارة الارض " ولا يفوتني هنا واحقاقا للحق والتاريخ أنني في احدى المرات تواصلت تليفونيا مع الدكتور "محمد عمارة " عن رأيه في بناء الكنائس وكان هذا الاتصال على ما اتذكر عام 2009 فقال لي بكل وضوح وقتها إن الاسلام يقر بناء الكنائس وانه يجب على الحكومة ان تخصص اراضي لبناء الكنائس على نفقة الدولة كالمساجد ، وإن الإمام الليث بن سعد قال "ان بناء الكنائس من عمارة الارض"، وبالتالي فالقانون الذي اقترحته الحكومة وناقشه البرلمان باطل لانه تمييزي وطائفي بل وعنصري كما الاشتراط ببناء الكنائس وفقا لعدد الاقباط فيه يستوجب وبالضرورة الافصاح عن التعداد الحقيقي للاقباط وإلا اعلنت الكنيسة عن العدد وهذا ليس عيبا ، واني مندهش ايضا من كيفية تعامل غالبية النواب الاقباط في مجلس النواب الذي قاموا بدور المحلل للقانون ، ويبدو ان أن عددا كبيرا منهم قد اختير بعناية لضرب حقوق المصريين الاقباط بنيران صديقة بل وأقولها صراحة ان النواب المسلمين اكثر جرأة ووطنية من بعضهم في التصدي للملفات الطائفية .. انهم نواب مستأنسون ويرى البعض انهم بصمجية الحكومة والبرلمان ...
[email protected]
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط