الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جولة في الفكر الإصلاحي عند الإمام محمد عبده


اتخذ اتجاه التفسير عند مفسري القرن العشرين مناحي عدة ، كان اللون السائد وسط هذه المناحي الميل إلى الاتجاه الإصلاحي انطلاقا من كون النص المبارك كتاب إلهي به علم الأولين و الآخرين ، وعليه تحيا حياة الإنسانية بعامة و المسلمين بخاصة، و قد دار في هذا الفلك مجموعة من المفسرين على رأسهم الإمام محمد عبده رائد الإصلاح في العصر الحديث.

 حيث انحاز الإمام إلى الإصلاح الاجتماعي مرتكزا في ذلك على تغليب العقل في ظل انحراف الفهم الصحيح لمراد الدين عن مساره الصحيح نتاج التخلف الذي خلفته لنا سنين الاستعمار ، وضياع الهوية العربية ما بين الأصيل والمستورد الغربي، ليكون منهج الإمام محمد عبده بمثابة الصدمة الفكرية التي أعادت الأنفاس إلى الجسد الفكري العربي ، وقد اعتمد الإمام النص المبارك مصدرا أساسيا لفهم مراداته الكائنة فيه، مؤكدا على أنه المصدر الإلهي القادر حقا على الإصلاح الاجتماعي الذي أفسدته الظروف فائتة الذكر.

ولعل هذه الرؤية التفسيرية التي اعتمدها الإمام من أكبر الأسباب الدافعة إلى الإكثار من منتقديه ورافضي فكره، وجاء منظورهم معتمدا على تأويل الإمام لنصوص النص المبارك إلى هو ما غير فيه.

وكان انحياز الإمام إلى الجانب العقلي في أغلب رؤياه تجاه النص المبارك دافعا إلى تأويل النص المباركة لما هو فيه روح العصر، معتمدا في ذلك على كون القرآن هاديا و مرشدا لكل من استمسك به و هذا ما دفع الإمام إلى استفاضة في رؤى عميقة حول مصطلح ( البر) و (البار) 

حيث جاء تفسير الإمام لقوله تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ(177) ) "البقرة" لافتا إلى أننا في حاجة إلى بيان النكتة في اختيار ذلك القول: ولكن البر هو الإيمان بالله.

مبينا أن هذه النكتة مفهومة من العبارة، فإنها تمثل لك المعنى في نفس الموصوف به، فتفيدك أن البر هو الإيمان وما يتبعه من الأعمال باعتبار اتحادهما، وتلبس المؤمن البار بهما معا من حيث إن الإيمان باعث على الأعمال وهي منبعثة عنه وأثر له تستمد منه وتمده وتغذيه، أي أنها تمثل لك المعنى في الشخص، أو الشخص عاملا بالبر وهذا أبلغ في النفس هنا من إسناد المعنى إلى المعنى، ومن إسناد الذات إلى الذات كما هو مذوق ومفهوم.

وحينما تعرض إلى قوله تعالى: ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) ) "الانفطار"بين أن الفرد لا يكون بار إلا إذا كان من نفعه وخيره للناس من أعماله نصيب.

منظور اجتماعي إصلاحي داعي إلى حتمية أن يكون الإصلاح مبتداء من الفرد حتى يمتد إلى المجتمع، وهذا ما أخاله ركنا نحن في أمس الحاجة إلى اعتماده في ظل التقلبات والانحرافات الفكرية والاعتقادية، وتفشى الأهواء والرغبات في تصرفات وألسنة الكثير من المتكلمين الذين ينقلون إلى المجتمع بشكل أو بآخر الدعوة إلى التفكك والانحلال عن الوحدة. 

وهذه الرؤية التي تبناها الإمام محمد عبده أخالها الدافعة إلى تصنيفه رائد الإصلاح الاجتماعي والكائن في ضرورة التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع بعامة حتى يعم المحبة والمؤاخاة، وهذا عين ما كان يرنو إليه فضيلته من الإصلاح.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط