الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحج وتاريخ المحمل


بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 96-97 ]

منذ بناء الكعبة علي وجه الأرض وهي موضع إجلال وتقدير, يؤمها الحجيج منذ ما قبل الإسلام ولم تفقد يومًا هذه المعاني في جميع العصور إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.

فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أول من حج بالمسلمين في حياة الرسول صلّ الله عليه وسلم عام 9هـ/630م وكان أول من لقب بأمير الحج,حيث وكل إليه الرسول الخروج بالحجيج ومنع الكفار من الإشتراك فيه, وفي العام التالي رأس الرسول الحجيج بنفسه وعرفت هذه الحجة بحجة الوداع, كما حرص الخلفاء الثلاثة الأول علي أداء فريضة الحج,ومن بعدهم خلفاء بني أمية و بني العباس في العصر العباسي الأول, أما في العصر العباسي الثاني فقد أثرت ظروف هذا العصر من إنقسامات وثورات في حجب الخلفاء العباسيين عن الحج.

أما في العصر الفاطمي فلم يحج من الخلفاء الفاطميين أحد إلا أنهم عنوا عناية كبيرة بقافلة الحج المصري، وكذلك لم يحج أحد من سلاطين بني أيوب في مصر ولعل السبب في ذلك يرجع إلي انشغالهم بالجهاد ضد الصليبيين.

ولم يحج أحد بعد من السلاطين إلا في عصرالدولة المملوكية، فكان أول من حج منهم السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري عام 667هـ/1268م,وغسل الكعبة بماء الورد ثم كساها.

وقد اهتم الخلفاء والملوك والسلاطين بمصر بقافلة الحج، فقد عنيت الدولة المملوكية عناية كبيرة بخروج المحمل كل عام, إذ كانت تقيم له إحتفالًا ضخمًا يتم على دورتين في السنة,الدورة الأولي في النصف الثاني من شهر رجب وأطلق عليها الدورة الرجبية، وكان الغرض من دوران المحمل في هذا الوقت المبكر هو إعلام الناس بأن الطريق بين مصروالحجاز آمن، ومن أراد الحج فلا يتأخر.

أما عن الدورة الثانية فكانت تتم في النصف من شوال وتسمي الدورة الشوالية،وكانت مثل الدورة الأولي إلا أنه كان يرجع بالمحمل من تحت القلعة إلي باب النصر ويخرج إلي الـريدانية للسفر ولا يتوجه إلي الفسطاط.

كما عني السلاطين والملوك بصناعة الكسوات والعمل علي إرسالها كل عام إلي الحرمين الشريفين, ففي عهد العزيز بالله الفاطمي 365هـ/975م كسيت الكعبة المعظمة بكسوة بيضاء اللون,وفي عهد الحاكم بأمر386هـ/996م كسيت الكعبة بالقباطي البيض.

وفي عصر الدولة الفاطمية وصل إلى الكعبة المشرفة كسواها من جهات أخرى غير بغداد والقاهرة، ففي عام 455هـ/1063م استولي أبو كامل على بن محمد الصليحي على اليمن وخطب فيها للخليفة المستنصر بالله الفاطمي 427هـ/1036م بمصر,وقد استطاع الصليحي أن يدخل مكة في ذلك العام وعامل أهلها أحسن معاملة وكسى الكعبة بثياب بيض.

وقد عريت الكعبة المشرفة من كسوتها عام642هـ/1244م بسبب ريح شديدة فأراد الملك المنصور صاحب اليمن كسوتها، فقال له منصور بن منعه البغدادي شيخ الحرم:"لا يكون هذا إلا من جهة الديوان" يعني الخليفة العباسي، ولم يكن عند ابن منعه شئ ليكسي به الكعبة، فاشترى ثيابًا بيضاء وصبغها بالسواد وكسى بها الكعبة.

أما في العصر المملوكي فقد حرص سلاطين المماليك على إرسال كسوة الكعبة سنويًا، في إطار حرصهم على الواجهه الدينية لحكمهم، والظهور بمظهر حماة الحرمين الشريفين، وأول من كساها من سلاطين المماليك الظاهر بيبرس في عام 661هـ/1262م, ويذكر أن الكسوة كانت تتضمن مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام أيضًا لوقوعه بجوار الكعبة، وستر ضريح الرسول صلّ الله عليه وسلم، وكلها مصنوعه من الحرير المذهب النفيس المعروف بالديباج،  ومبطنة بالكتان وتكتب فيها آيات الحج مطرزة بكتابة بيضاء في النسيج ذاته، وفي أعلاها مكتوب بالتطريز اسم السلطان، ثم تحولت الكتابات إلى اللون الذهبي منذ عصر السلطان الظاهر فرج بن برقوق حتى الآن.

وكان سلاطين المماليك يرون أن هذا شرف لا يجب أن ينازعهم فيه أحد حتى لو وصل الأمر إلي القتال، وللمحافظة على هذا الشرف أوقف الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاون في عام 751هـ, وقفًا خاصًا لكسوة الكعبة الخارجية مرة كل سنة وهذا الوقف كان عبارة عن ضيعة تسمي "بيسوس" وهي الآن عبارة عن ثلاث قري "أبيسوس, وسندبيس, وأبوالغيث" بمحافظة القليوبية وكان يتحصل من هذا الوقف على 8900 درهم سنويًا.

 واستمر كذلك حتى أضاف السلطان سليمان القانوني فى عهده 7 قرى أخرى حتى تفي بالتزامات كسوة الكعبة المشرفة، واستمر إرسال الكسوة حتي آخر سلاطين المماليك طومان باى ومعها الهبات والمعونات لأهل مكة والمدينة في عام 922هـ/1516م

والواقع أن هذا الحرص والاهتمام لم يكن من باب تكريم البيت الحرام فحسب، بل أن هناك مغزىا سياسيا عميقا إلى جانب المغزى الديني،  ويستند هذا المغزى السياسي إلى أن الذى يكسو الكعبة هو الأقوي في نظر المسلمين فاعتبرت الكسوة على هذا النحو مظهرًا من مظاهر السيادة والقوة السياسية.

ومما يدلل على ذلك ما فعلة السلطان برسباي مع ملك الدولة التيمورية شاه رخ بن تيمور لنك عام 834هـ/1430-1431م,إذ أراد الأخير أن يسمح له السلطان برسباي بكسوة الكعبة فرفض برسباي طلبه بحجة أن امتياز تقديم الكسوة يعود منذ القدم لحكام مصر الذين أقاموا أوقافًا خاصة لهذا الغرض.

كما رفضت الدولة العثمانية في إتفاقية السلام المعقودة مع نادر شاه عام 1159هـ/1746م, الاعتراف بقافلة حج خاصة بالحجاج العجم تنطلق بهم من بلاد فارس إلى الحجاز لأن العثمانيين وجدوا في ذلك انتقاصًا لسيطرتهم وإشرافهم على الأماكن المقدسة وانفرادهم بإعداد قوافل الحجيج الأربع.

وفي عهد محمد على باشا توقفت مصر عن إرسال الكسوة بعد صدام سياسي في 1222هـ/1807م,ولكن أعادت مصر إرسال الكسوة في 1228هـ, وقد أسست دار لصناعة الكسوة بشارع "الخرنفش" في حي الجمالية بالقاهرة في عام 1233هـ/1812م, ومازالت هذه الدار قائمة حتي الآن, واستمر العمل بها حتي عام 1962م, إذ توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة لما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط