الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حاسبوهم ولو مرة واحدة


مئات البشر البسطاء والفقراء من مختلف الأعمار، شباب وشيوخ،  نساء وأطفال،  يركبون فى قوارب صغيرة أو متوسطة أمام أعين الناس، هربًا من الفقر أو الجوع أو المرض، أو بحثًا عن حياة آدمية فى بلاد الله الواسعة، بكل تأكيد لم يكن الهروب عبر البحر بطريقة غير شرعية تصرفًا صحيحًا،  فقد كان حلًا غير منطقيًا فى بلاد اختفى فيها المنطق، حتى صار اللامعقول هو المعقول نفسه.

وهروبهم من جحيم الحياة على بر مصر الى حلم النعيم على بر أوربا عبر جحيم أمواج البحر المتوسط كان أمام أعين الناس، فلا الهاربين من قسوة الحياة فى مصر، ولا مهربيهم كانوا يعيشون فى عالم خفى عندما ركبوا قوارب الموت، فكل المحيطين بهم كانوا يعلمون كل شئ، بداية من سمسار الأرواح فى القرى والكفور إلى سمسار الأرواح فى أعالى البحار،  فسيناريو كل حلقات المأساة معروف ومكرر،  لذا لا أحد من المسئولين يستطيع ان يخدع العالم بالقول أنه تفاجأ بهذه الكارثة المروعة.

ونظرًا لأننا فى مصر فإننا نتعامل مع الكوارث الإنسانية طبقًا للمزاج العام وقت حدوثها،  ولأن المزاج العام السائد هذه الأيام هو مزاج التطبيل بكل أنواع الدفوف، فلم يكن لدى المسئولين وقتا لإعلان الحداد العام أو لشئ من هذا القبيل.

 فمئات الموتى كلهم حتى هذه اللحظة من فقراء المصريين،  لذا فالأهم لدى من فشل فى منع حدوث هذه الكارثة الإنسانية المروعة هو البحث عن الناجين لحبسهم وعقابهم على نجاتهم من الموت غرقًا،  ربما من أجل نيل رضاء دول أوربا،  تلك الدول التى لو وصل إليها هؤلاء الناجين وتم إلقاء القبض عليهم لعاملتهم بطريقة تليق بهم كبشر بغض النظر عن طريقة وصولهم إليها.

فبدلًا من القبض على كل من وخطط ودبر من المهربين، وعزل كل من يقبض ثمن سكوته من حماة المهربين المعروفين , فاجأنا العالم كعادتنا بصور الضحايا الناجين من الغرق وهم مكبلى الأيدى فى المستشفيات.

 وهى صور لم ولن ينساها العالم سريعًا، وان كنا قد تعودنا إبهار العالم بالفضائح الجديدة كل فترة، حتى صارت تصريحاتنا مادة أساسية فى برامج السخرية.

 فعندما هاجمتنا أسماك القرش قلنا إنها تعض ولا تأكل،  وعندما ظهرت الحيتان قلنا إنها بدون أسنان،  ولذا بات من الطبيعى أن نتهم الهاربين من الفقر بالطمع فى الحياة الكريمة فى أوربا،  وكأن الفقراء بات مكتوبا عليهم ان يموتوا فقرًا فى مصر.

ولذا فإننا اليوم بحاجة الى وقفة حقيقية وجادة ولو مرة واحدة لإيقاف نزيف الأرواح فى مصر،  ومحاسبة كل المقصرين فى كل الأجهزة دون استثناء،  فليس من المعقول فى القرن الواحد والعشرين أن يغرق مئات البشر فى كارثة إنسانية مروعة ونحن نقوم بحبس الناجين منهم فقط لا غير،  فمن عرض عليهم السفر،  ومن نقلهم إلى شواطئ البحر،  ومن نقلهم إلى عرض البحر لم يكن يعمل فى الخفاء.

حاسبوا من قصر فى أداء عمله مهما كان ولو مرة واحدة، حاسبوا من أخطأ مهما كان ثقله ولو مرة واحدة، افعلوا شئ حقيقى يحترمه العالم لمنع تكرار هذه المآسى الانسانية ولو مرة واحدة , يرحمنا ويرحمكم الله.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط