الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وزارة الإعلام .. لماذا؟


مرة أخرى وبعد انقطاع طويل ، وإلغاء استمر لسنوات ، يعود الحديث عن وزارة الإعلام فى بلادى مصر، وضرورة العودة إليها ، وهو الحديث الذى فجرته لجنة الثقافة والإعلام وبعض من الأعضاء بالمجلس النيابى ، تفاعلا مع أزمة اتحاد الاذاعة والتليفزيون "ماسبيرو" بعدما غرق فى الأخطاء المهنية والإدارية ، وأصبح يمثل بوضعه الحالى عبئا على الدولة ليس من الناحية المالية فقط ، وإنما فى النواحى المهنية والإدارية أيضا.

وحتى تتضح الصورة وتصل الرسالة بشكل جيد عن الحديث عن عودة وزارة الإعلام ومدى ايجابية ذلك الحديث أو سلبيته على الوسط الصحفى والإعلامى عموما فى بلادى مصر فان تساؤلا هاما يطرح نفسه حول الأسباب الحقيقية لهذا الحديث ولماذا عودة وزارة الإعلام فى هذا التوقيت؟ وما هى الآثار المترتبة على عودة الوزارة على الإعلام المصرى وتحديدا الصحافة ، وما مدى توافق أو تعارض ذلك مع التشريعات الصحفية والإعلامية.

وفى محاولة للتوصل إلى إجابات فان نظرة الى واقع "ماسبيرو" قد تبين وبجلاء الأسباب الحقيقية لمطالبات عودة وزارة الإعلام بعد الغائها ، والحقيقة أن واقعه مرير وأداءه ضعيف ولا يرقى الى الطبيعة والظروف التى تمر بها الدولة المصرية ، لا من حيث الأداء المهنى ، ولا من حيث توافر الثقافة المهنية والعلمية الكافيتين لأداء إعلامى ناطق باسم الدولة المصرية ، هذا بخلاف الأعباء المالية التى يشكلها القطاع بعد أن وصلت خسائره الى مليارات الجنيهات ، فضلا عن سيطرة نظام التوريث والمحسوبية والمعارف على التعيينات به.

والحقيقة أن كل تلك المشاكل وأكثر منها لا يتسع الحديث عنها فى هذا المقام ، ليست مبررا لعودة وزارة الإعلام ، والسبب عندى ، أنها مشاكل متراكمة عن فترات ممتدة لسنوات مضت كانت فيها وزارة للإعلام وكان هناك وزير يختص بشئونه ، غير أن تواجد الوزير لم يساهم فى حلها ، بل أدى إلى تراكمها ، فحال ماسبيرو عندى ماهو إلا نموذج للترهل الإعلامى والإدارى الذى يسيطر على بلادى مصر.

ولكن ماذا لو عادت وزارة الإعلام من الناحية التشريعية ومدى تأثير ذلك على الصحافة؟
هنا يمكن القول أن ذلك يتعارض مع التشريعات الصحفية والإعلامية الحالية ، سواء التى تم اقرارها بشكل نهائى ومعمول بها بالفعل كميثاق الشرف الصحفى وقانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996 وقانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 ، او تلك التى تنتظر الإقرار ومنها مشروع تنظيم الصحافة والإعلام الموحد.

فالدستور الحالى اقر بضرورة تشكيل هيئة وطنية للصحافة وأخرى للاعلام تتبعان مجلسا أعلى للاعلام ، ولم يتطرق لفكرة وجود وزير اعلام من عدمه ، وانما تحدث عن تلك الجهات الثلاث.

وبفرض عودة وزير الإعلام فى الوقت الحالى فإنه سوف يكون مسئولا وبشكل مباشر عن "ماسبيرو" ولن تمتد اختصاصاته الى شئون الصحافة التى يديرها المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين ، أما بعد اقرار مشروع قانون تنظيم الصحافة والاعلام الموحد فان منصب الوزير ينتقل من كونه مسئولا عن وزارة الإعلام الى كونه مسئولا عن المجلس الأعلى للإعلام وهو اعلى سلطة ، وفقا لمشروع القانون ، مسئولة عن تنظيم الإعلام بشقيه المرئى والمقروء ، فتكون بذلك الصحافة ممثلة فى الهيئة الوطنية للصحافة احدى الجهات الخاضعة للوزير، الذى تمتد اختصاصاته الى الهيئتين الوطنيتين للصحافة وللاعلام ، بما يعنى – عندى – اخضاع الصحافة لمزيد من إجراءات الترويض والاحتواء وتجريدها من الاستقلالية ، وهو أمر يتنافى مع اساس تشكيل المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة التى يجب ان تتمتع باستقلاليه تامة عن الدولة.

عودة وزير الإعلام اذن تعنى عودة فرض الوصاية على الصحافة ، وهو الهدف الذى كانت تسعى اليه السلطات المتعاقبة غير أنها فشلت فى ذلك ، وفرض الوصاية على الصحافة أو ترويضها أو اقصاؤها او حتى احتواؤها ليس فى صالح المجتمع المهنة على حد سواء.

واذا كان البعض يرى فى عودة وزير الإعلام بأنه سبيل لحل ازمات "ماسبيرو" فان الحل ليس فى يد شخص يتمتع بحقيبة وزارية ، ولكنه فى يد شخص لديه الإرادة الحقيقية فى الاصلاح بعيدا عن الوزارة ، وهى اختصاصات مخولة بالفعل لرئيس الاتحاد الحالى، والتى تمكنه من الاصلاح ان أراد ، غير أن حل أزمة "ماسبيرو" فى حاجة الى إعادة هيكلته حتى يقوم على اساس الكفاءة المهنية والقدرات والثقافة الذاتية بعيدا عن نظام التعيينات الحالى الذى يعكس نموذجا للنظام الادارى فى الدولة.

لسنا فى حاجة اذن الى وزير اعلام ، فالدول المتقدمة لاتعرف للاعلام وزيرا وان كان موجودا فى بعض الدول الأوربية غير أنها قليلة واختصاصاته محدودة تتلخص فى كونه متحدثا باسم الدولة ، واذا كان هذا الأمر مقبولا فى بعض الدول ، فلن يكون مقبولا فى بلادى مصر ، فمصر ليست فى حاجة الى وزير إعلام كى يكون متحدثا باسم الدولة ويدلى بتصريحات باسمها ، فالاوضاع فى بلادى مصر لاتحتمل مزيدا من فرض القيود خاصة على الصحافة والاعلام الذى يمثل فى حقيقته مرآة للمجتمع.

وليس مقبولا أيضا من الناحية العملية أن تكون هناك حقيبة لوزارة الإعلام وتنحصر اختصاصات الوزير فى الحديث باسم الدولة ، وانما تنعكس على مجالات اخرى مثل الصحافة وهو أمر لا تقبل به الجماعة الصحفية التى ناضلت عبر عقود من الزمان من أجل استقلال الصحافة.

المطلوب اذن هو التعامل مع مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام الموحد للانتهاء منه واقراره ، ورغم مالنا من اعتراضات على بعض مواده وحكمنا عليه بعدم الدستورية ، الا ان ذلك لا يعنى تجاهله والاتجاه نحو فكرة عودة وزارة الإعلام ، وانما المطلوب هو مناقشة المشروع بما يحقق النفع الكامل للصحافة وللاعلام وللدولة عموما.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط