الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما بين النكسة والنصر


إن أخطر ما يهدد الإنسان هو التشاؤم والوقوع في غيابات اليأس مهما كانت الظروف المارة عليه قاسية أو حالكة، وخير مبرهن على ذلك الأمثال الشعبية التي هي جزء لا يتجزأ من نسيج ثقافة الأمم، فهذا ما ورد في أمثالنا (لكل جواد كبوة) والحامل لدلالة بث روح التفاؤل ونبذ التشاؤم مهما كانت الظروف المخيمة.

وآسف إن قلت إن الأغلبية من شبابنا ورجالنا أصبح السمت المرسوم على وجوههم هو ذلك الوجه المتشائم، الذي أرفضه تمام الرفض وإن كنت ألتمس لهم بعض العذر إثر الظروف المخيمة على آمالهم وطموحاتهم، منها المحاكة بمكر ودهاء قبل العدو المترصد، ومنها المتراكمة إثر نظم سابقة، أيا كانت الأسباب الدافعة إلى رسم مسحة التشاؤم على الوجوه، إلا أن الشخصية المصرية قادرة على إعادة البيئة المأمولة إلى أرضنا؛ فالشخصية المصرية من الشخصيات الفريدة التي حيرت الكثير من المفكرين السالفين منهم والمعاصرين؛ فعلى الرغم مما انتاب الشخصية المصرية من صنوف النيل والهجوم التي قد أحالت بعضها إلى التسطيح حينا والتهميش حينا آخر، إلا أن مكنون الشخصية – في نظري - يتجلى وقت الأزمات والكوارث فهذا التاريخ الذي نعيشه اليوم يستدعي لنا ذكريات السادس من أكتوبر.

وفي ظني أن هذا التاريخ لم يك راصدا لنصر عسكري أو كاشفا عن حنكة حربية تدرس في المعاهد والكليات العسكرية حول العالم تخليدا للنصر العربي على الكيان الصهيوني فحسب، بل إن هذا التاريخ فضلا عما أشرنا إليه إلا أنه راصد لتطور الشخصية المصرية التي رجعت وعادت إلى صوابها بعد أن تاهت آنذاك ما بين الاختناق من الانفتاح الأخلاقي ومحاولة الحبو على نهج النظم الغربية المعادية للإسلام والمسلمين فتاهت الهوية العربية وصعب عليها الاتفاق مع النفس؛ فوقعت في انكسار النكسة التي جاءت على هامش التغريب عن الأصيل العربي والإسلامي فانزوت الشخصية العربية عن المراد المقصود وتاهت في متاهات القدرة على تحديد العدو المترصد والمتعقب، فأغفلت المقصد و ضلت الصراط وتخلت عن الأخلاق الموروثة، ولم يك هناك عودة للشخصية القادرة على إعادة الانكسار إلى فخر والهزيمة إلى نصر إلا إن كانت مصرية.

وأما ما يبرهن على أن الشخصية المصرية قادرة على استعادة توازنها هي الست سنوات الفارقة ما بين الهزيمة والنصر المعهود في السادس من أكتوبر، فإن الشهود العيان الراويين يبرهنون على أن المجتمع المصري كان أقرب ما يكون من العودة إلى الهوية الإسلامية والعربية، حتى ما نشهده من أعمال درامية نحن غير المعاصرين لهذا الحدث الجلل يبرهن على الالتزام بالهوية الإسلامية فلا نجد عملا يعيد لنا مشهد النصر بالهجمة الأولى إلا وقد قرن بالقول العسكري الجماعي المعلي من كلمة "الله أكبر" وتكرارها.

يا سادة إن هذا المشهد لا يجب أن يمر على أعيننا مرور الكرام ولا نعتبره مجرد كلمة عابرة على الأذن بلا مقصد ولا تحليل؛ لأنها تعبر بشكل أو بآخر عن الهوية الإسلامية السائدة في آن، ولعل هذا – في ظني - ما جعل راية الإسلام هي العليا وراية أعداء الله هي السفلى.

إن لتاريخ النصر الصدارة في الاحتفال والتخليد، بيد أن ما يجب أن نخلده ونعلي من ذكراه هو الحكاية عن الهوية السائدة والثقافة المنتشرة في آن النصر والتي تسودها الثقافة الإسلامية الذي هو حجر الزاوية للهوية العربية بعامة والمصرية بخاصة.

والحقيقة التي لا تكاد تخفي عليّ أن الانتصارات العربية الخالدة والتي تزين الأمجاد الإنسانية لا يكون لها محل من الإعراب في كتب التاريخ إلا إذا ما قرنت بالتعاليم الإسلامية، فهذه ثقافتنا وهذه هويتنا لمن لا يعلم وتبصرة لمن لا يرى.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط