الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الرقة بين الكرد والعرب


تحولت مدينة الرقة السورية من مدينة هادئة لها تاريخها الجميل، إلى مدينة تعتبر حاليًا عاصمة الإرهاب في العالم، بل حتى إنها تعتبر قبلة الإرهابيين وكعبة السفاحين ومزار لقطاع الرؤوس وآكلي الأكباد، والتحوّل الكبير في مسار هذه المدينة لا يتحمل مسئوليته إلا الفصائل المعارضة السورية التي أخرجت القوات السورية النظامية تحت لواء الثورة السورية للحصول على الحرية والعدل والمساواة، إلا أنها لم تكن على قدر المسئولية على الإطلاق، حيث تحول قسم منهم إلى فرق الموت السوداء بانضمامهم إلى داعش، وهرب الباقون يفتشون عن ممول هنا أو داعم هناك لجني المزيد من الأموال.

كل هذه الأحداث حصلت على مرأى ومسمع من فصائل مسلحة "عربية" ومنذ ذلك الوقت لم نشهد إلا تحركات خجولة جدا لمحاولة استرجاع المدينة ورفع الظلم عن أهلها، حتى أن البعض فضل السكوت والرضوخ والالتزام التام بأوامر الدواعش ووصل الأمر الى الاستماتة بالدفاع عنهم باعتبارهم جنود الخلافة المزعومة.

وباعتبار الرقة مدينة سورية، فمن حق اي سوري موجود على الاراضي السورية الدفاع عن المدينة وريفها والسعي الى تحريرها باي وسيلة ممكنة، باعتبار تنظيم داعش سرطاناً يجب التخلص منه حتى لو وصل الامر الى البتر للاطراف، بل ان حق التخلص من التنظيم اصبح مطلبا عالميا وليس فقط سوريا باعتبار الأذى المتأتي من التنظيم أصبح عالميًا ولم يعد محصورا داخل حدود الرقة او سوريا.

ومن هذا المنطلق فمن حق أي شخص، سوريًا كان أو غير سوري، المساهمة بالتخلص من تنظيم داعش الذي يحتل أجزاء كبيرة من سوريا ومن ضمنها الرقة التي تعتبر المعقل الرئيسي له، فكيف ان كان سوريا ويتم النظر اليه كمعتدي فقط لانه من قومية غير القومية العربية؟.

في سوريا خليط ديني وقومي جميل، من عرب وكورد وسريان وآشوريين وآرمن، تعرضوا للظلم مسلمين كانوا ام مسيحيين، وبالتالي فإن مشاركتهم في تحرير الرقة أمر طبيعي وبديهي، وكل مخالف لهذا الامر له حسابات قومية وطائفية ضيقة، والداعي لهذا الطرح واحتل مقدمة الاصوات التي تعالت للاسف ضد سعي الفصائل المسلحة الكردية لقتال داعش واخراجه من مدينة الرقة.

في سوريا أصبح جليا اليوم ان الفصيل المسلح الوحيد الذي يقاتل داعش فعليا هي الفصائل الكردية وبعض الفصائل الاخرى العربية والاشورية التي تقاتل بدعم منها، ومن الطبيعي أن تتجه أنظار القوى العالمية إليها باعتبارها مفتاح التخلص من داعش على الأرض، وبالتالي فإن معركة كمعركة الرقة لا تحتمل المغامرة بالتوجهات أو قابلية الانحراف، فتم اللجوء إليها لتكون رأس الحربة لمحاربة التنظيم، خصوصًا أنها حققت انتصارات تاريخية على التنظيم في الفترة السابقة.

إلا أن المؤسف بل المخزي بأن تتعالى الأصوات المحرضة ضد حملة غضب الفرات واعتبار البعض أن الرقة ربما ستتخلص من احتلال وتتجه إلى احتلال آخر، لمجرد شعور نابع من كره للأكراد، وهذا الكره تاريخي من ترسبات العقلية القديمة التي من أجلها ثار السوريون للتخلص منها، مما يدل على كذب من يعارض مشاركة الكورد بتحرير الرقة فهو ليس إلا تتمة وامتداد للفكر البعثي، المحرض على قاعدة فرق تسد، علما ان غالبية الاصوات المعارضة لها تواجهات نركية، اي انها ترضى بالاحتلال التركي الفعلي ولا ترضى بان يتم تحرير الارض من سوري اخر لمجرد انه كردي.

ان كانت هذه هي العقليات التي ستحكم الرقة مستقبلا فمن الطبيعي القول انه لا مستقبل للمنطقة، بل ان وجود الدواعش او عدم وجودهم سيان، ولا فرق بين عناصر داعش والمحرضين ضد الكورد لمجرد انهم كورد، والطامة الكبرى ان من يحرض على المشاركة الكوردية مجموعة من النشطاء الذين تعرضوا اساسا للملاحقة والتصفية من قبل عناصر داعش في سوريا وتركيا، فالعقلية السوداء لا تزال هي المسيطرة، ووحدهم الكورد هم الذين تخلصوا منها بالانضمام مع الفصائل الاخرى تحت لواء قوات سوريا الدبمقراطية، والا لاصرت الفصائل الكوردية على القيام بالمهمة تحت مسماها الاساسي فقط احتراما لشهدائها، الا انها احترمت دماء السوريين ووسعت افقها، لان الامور لا تتعلق بسوريا الان بل انها موسعة لتشمل سوريا الغد.

وفي النهاية لا بد من القول: ان الشرف والبطولة مزايا لا تشترى ولا تباع.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط