الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الدولة القومية ومصطلح المقدسات الوطنية


مصطلح الدولة القومية الذي يعتبر من أكثر المصطلحات الناجعة والتي استخدمتها الرأسمالية في ذر الرماد على المجتمع وإيهامهم بها على أنها الشفرة التي من خلالها يمكن للمجتمع الولوج في مجتمع الرفاه والعيش الرغيد والاستقرار.

مع أننا لو سبرنا حقيقة هذا المصطلح لرأينا كيف أنه تحت قناع الدولة القومية لا يوجد شيئا سوى إنهاك مكونات المجتمع في أمور ثانوية ليس لها علاقة البتة بما يمثل مستقبل طموح بسيط لإنسان لا يتمنى سوى أن يعيش بكرامة في وطن يحميه من الاستغلال.

فإذا نظرنا إلى واقع الشرق الأوسط وحقيقته نرى أن شعوبه (عرب، كرد، اشور، سريان، تركمان، شاشان، ترك، الفرس) كانت تعيش مع بعضها البعض ولا تعرف الدولة القومية كظاهرة كالتي نعيشها في راهننا.

بل على العكس من ذلك كافة شعوب المنطقة كانت تعيش مع بعضها البعض من دون حدود سياسية ولا سيادة وطنية ولا نشيد قومي ولا لغة واحدة تفرض على الجميع.

بل الشعوب تعيش مع بعضها البعض ضمن قوانين عامة ومحددة للعيش المشترك. لكن المرحلة التي عاشتها أوروبا والتي دفعت كل غالي لديها للخروج منها صدرتها للشرق الأوسط بكل أوساخها وأدرانها وأفكارها البنيوية التعصبية الشوفينية.

ما عاشته ألمانية النازية وايطاليا الفاشية بكل ما للكملة من معنى تعيشه منطقة الشرق الأوسط الآن ونحن في القرن العشرين. الشعوب الأوروبية جربت العيش في الدول القومية المتعصبة وكانت النتيجة الحروب الاوروبية والتي نعرفها جيدا ماذا كانت حصيلتها حيث ملايين القتلى والجرحى والمفقودين والذين تمت محاكمتهم. هنا السؤال يطرح نفسه، لماذا نجرب المجرب؟ وهذا المجرب كان قيحًا بكل معنى الوصف وبالًا على الشعوب عامة ودفعت أوروبا ملايين سكانها للتخلص من هذا السرطان الخبيث الذي فتك بالمجتمع.

التحجج بالشرعية ما هي إلا إلتفاف على المجتمع لإقناعه بأن هذه النظم تمتلك الشرعية ولها الحق في عمل كل شيء تحت هذا المسمى.

إنها نفس الشرعية التي أتت بهتلر إلى الحكم عن طريق الانتخابات الشرعية للحزب الاشتراكي الديمقراطي وتولى هتلر مقاليد الحكم في ألمانيا بانتخابات شرعية وكانت الآلاف تقف احتراما لهتلر ولكن ماذا كانت النتيجة.

إنها الحرب العالمية الثانية وتدمير أوروبا والملايين من الضحايا كل ذلك تم بمصطلح الشرعية والانتخابات. من هنا بمقدورنا القول أن الشرعية كمصطلح برجوازي وليبرالي يتم من خلاله تخدير المجتمع عن الحقيقة التي يتخفى داخلها وخلف الشعارات البراقة. وهذه كانت حال شعوب المنطقة الشرق أوسطية من خلال الأحزاب التي توالت على الحكم منذ تأسيس معظم الدول بعد الحرب العالمية الأولى واتفاقية سايكس بيكو.

لطالما تمنت الشعوب من تحقيق أمانيها وطموحاتها من خلال الانتخابات والاحزاب المدعية لشعارات جميلة في العيش الكريم، مع أنه الأسلوب السليم في قيادة المجتمع، ولكن في منطقتنا كلنا ندرك كيف يتم تسيير الانتخابات الشفافة وكيف يصل هذا أو ذاك الشخص إلى الحكم وكيف أن نتيجة الانتخابات معروفة قبل أن تذهب إلى الصندوق وعي 99،99 %.

هنا تكمن المصيبة الكبرى التي عشناها في القرن العشرين ونحن نكرر ذاتنا وحياتنا وأملنا وطموحاتنا ولكن من دون جدوى. حتى وصل الأمر أن الفرد في المنطقة كان حينما تجري الانتخابات كنا نضحك في سريرتنا لأن النتيجة معروفة. يعني انتخابات صورية لرئيس صوري ينفذ من يطلب منه من القوى الرأسمالية.

حيث تحرص الدولة القومية دائمًا على إظهار نفسها كدولة قانون. بل وحتى أنها تقدم نفسها كحالة يتحقق فيها القانون كليًا لأول مرة ووراء حقيقتها هذه يكمن إنكار المجتمع الأخلاقي والسياسي. وكثيرًا ما يقال أن الدولة القومية هي الإطار الأمثل للقانون. لكننا ندرك تمامًا أن لا الدولة القومية ولا القانون بمقدورهما تحقيق وتشكيل المجتمع السياسي والاخلاقي، بل على العكس تمامًا وظيفة حيث تعمل الدولة القومية من خلال وتحت شرعية القانون في انهاء المجتمع الطبيعي وتصييره مجتمع صوري نمطي لا يفكر إلا بالماديات على حساب المجتمع بحد ذاته. حيث يتم تحت اسم القانون القضاء على أية ذرة من الابداع من المجتمع ويصل الانسان لمرحلة ان يكون طموحه الوحيد الهرب من وطنه نحو الدول الغربية على أنها الفردوس الذي يبحث عنه الجميع.

والحال هذه كيف يمكننا التخلص من هذا المرض المستشري في جسد المنطقة وبات من المقدسات التي لا يمكنك النقاش عليها في كل مكان. هي الوعي والمعرفة لأنها أساس التخلص من الجهل ومنها يكون الانسان حرًا بمقدوره البحث عن الحقيقة. ولكن حينما يكون الانسان عبدًا لا يكنه القول أنه يحاول البحث عن الحقيقة. إذ أن البحث عن الحقيقة يلزمها الانسان الحر وهذا لا يتحقق مالم يرتبط الانسان بحقيقة مجتمعه الغائرة في التاريخ الذي هو بنفس الوقت يكون الحاضر ويشكل المستقبل.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط