الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الضرب في الميت حرام


راهنت الحكومة المصرية على وطنية وولاء الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة، وكسبت الرهان.

فقد أثبتت تلك الطبقات أنها الأكثر وطنية، والأكثر خوفًا على وطننا من الانهيار، وفي سبيل ذلك، تحملت أعباء الحياة المادية إلى أقصى درجاتها، بهدف جني ثمار الإصلاح الاقتصادي، وتحقيق حياة كريمة للأجيال القادمة.

تحملت لدرجة أنها لن تستطيع أن تتحمل ضغوطا مادية أكثر من ذلك.

وبهدف تنفيذ الإجراءات الإصلاحية التي طالما تم تأجيلها، والسعي نحو الحصول على قرض صندوق النقد، المتوقع أن يتم استخدامه في استكمال المشروعات التنموية، فقد قابلت تلك الطبقة ضريبة القيمة المضافة والارتفاع التدريجي في الأسعار بصدر رحب، واستقبلت زيادة أسعار الكهرباء بصمت، وفوجئت بتحرير العملة المحلية، ورفع الدعم عن المنتجات البترولية، وهو الامر الذي انعكس على ارتفاع أسعار المواصلات العامة والمنتجات محلية الصنع بكافة أنواعها.

وحاليًا تواجه اختفاء بعض السلع الأساسية من الأسواق مصحوبة بموجة غلاء فاقت في حدتها ارتفاع أسعار الدولار بمفرده.

ولم تشتكِ تلك الطبقة سوى لله من كثرة أعبائها المالية وارتفاع فاتورة متطلباتهم الأساسية كي تبقى على قيد الحياة ليس أكثر من ذلك، أخذًا في الاعتبار ثبات الدخول.

فحوالي 28% من حجم سكان مصر يقعون تحت مستوى خط الفقر، أي حوالي 25 مليون نسمة، وتلك الطبقة لها الله في ظل الأحوال المعيشية الحالية، أما الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة فيصل عددها إلى حوالي 50 مليون نسمة، وتشكل نحو 55% من عدد سكان مصر، وبالتالي تقع معاناة الإصلاح الاقتصادي على كاهل نحو 75 مليون نسمة من سكان مصر، بما يمثل نحو 83% من حجم سكان مصر سيدفعون فاتورة تلك الخطوات الإصلاحية.

وفي ذلك الشأن أود أن أشارككم ما شعرت به من ألم نفسي، حينما قررت أن أتسوق بعض احتياجاتي المنزلية من أحد منافذ الشركة الوطنية التابعة للقوات المسلحة، فالحق يقال، تبذل قواتنا المسلحة أقصى الجهود بهدف تيسير حصول المواطنين على احتياجاتهم الغذائية بأسعار مخفضة، وهو أمر واضح للغاية من خلال توفر السلع بكافة أنواعها.

إلا أن المرارة جاءت نتيجة شعوري بحجم الأعباء المادية الملقاة على عاتق الطبقة المتوسطة، والتي اتضحت من خلال مشترياتهم الشهرية.

فحينما وقفت في طابور الكاشير، راقبت مشتريات من هم حولي، ووجدتها قد تركزت في كونها كيلو أو اثنين من اللحوم، وبعض الاحتياجات الاستهلاكية البسيطة، وأغلب المشترين هم من كبار السن، والبعض من الشباب، ونظرًا لأن الانتظار في الطابور استمر لبضع دقائق، كان من الطبيعي أن تدور أحاديث جانبية، عن طريقة الحصول على اللحوم، من باب الفضول بصراحة، باعتبارها السلعة الرئيسية المشتركة بين صفوف المستهلكين في هذا الطابور.

فقد سردوا لي أنهم يأتون في الصباح الباكر ليسجلوا أسماءهم، ثم يأتون مرة أخرى ليأخذوا رقما، وينتظروا في الطابور كي يحصلوا على كمية اللحم التي لم تتجاوز الإثنين كيلو، فقد ذكروا أنها كانت مسبقًا خمسة كيلو جرامات للمشتري، وتم تخفيضها إلى اثنين، وهذا إن دل، فإنما يدل على تزايد الإقبال على شراء منتجات اللحوم التابعة للقوات المسلحة، وهي الأقل سعرًا من نظيرتها بالأسواق العادية، وهو ما دفع الشركة الوطنية إلى خفض الكميات المخصصة لكل مستهلك كي تستطيع الوفاء بالطلبات الاستهلاكية للجميع.

أدركت وقتها أننا بالفعل أمام أزمة اقتصادية، وتحاول قواتنا المسلحة التخفيف من حدتها حفاظًا على الأمن القومي للبلاد.

وأدركت أن الطبقة المتوسطة قد قررت أن تخوض المعركة، وقررت أن تتحمل الأعباء، وليس أمامها اختيارات أخرى سوى النزول بحجم استهلاكها وذلك كي تبقى على قيد الحياة.

الشيء الإيجابي من تلك الاحاديث الجانبية في هذا الطابور، أنني لمست أصالة تلك الطبقة، فحينما أبدت فتاة تقف في طابور دفع قيمة المشتريات ضيقها، مبررة ذلك بالظروف الاقتصادية الصعبة التي قادتنا لخفض استهلاكنا، وجهتها إحدى السيدات من كبار السن بأن عليها أن تحمد الله، فنحن في نعمة ومازلنا نستطيع شراء احتياجاتنا، فسرعان ما تبدل الحوار إلى حمد الله، والرضا بالقليل.

هذه هي الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة، التي ضربت أكبر مثال للوطنية وقوة التحمل، والقدرة على التكيف مع الظروف الاقتصادية الطاحنة.

ويبقى أن تراهن الحكومة أيضًا على وطنية وولاء الطبقة الغنية المتمثلة في نسبة الـ 17% المتبقية من حجم سكان مصر، فهل ستستطيع الحكومة فرض منظومة الضرائب التصاعدية كي يتحقق الإصلاح الضريبي العادل؟

وهل ستنجح الحكومة في تنظيم بيئة العمل المرتبطة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة كي تحقق الانطلاقة الاقتصادية؟

فهذا ما ستثبته الأيام القادمة.

ويبقى أن نؤكد على أن فرض أعباء إضافية على الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة، لا مجال له، فقد تحملت تلك الطبقات الكثير، بل وتعمل على مواءمة احتياجاتها بما هو متاح لديها من دخول ثابتة، فأي أعباء إضافية ستكون بمثابة الضرب في الميت، وهو أمر غير مقبول شرعًا.

[email protected]
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط