الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مارتينا مدحت تكتب : "كل تلك الأشياء"

الكاتبة/ مارتينا
الكاتبة/ مارتينا مدحت

كل تلك الكلمات التى احتفظت بها بداخلي، وطواها الصمت، كل تلك الذكريات المحفورة بثنايا ذاكرتى، وما تركته من أحداث وأصوات لا زالت تدوى فى أذني من فرط حميميتها، بالرغم من تلاشي أصحابها واستحالة تلاشيها.

كل هؤلاء الغرباء الذين اقتربوا والقريبين الذين ابتعدوا، مخلفين وراءهم تفاصيل باهتة وقربا منقوصا وفراقا لا يعوضه سواهم، وآثار ما تركه كل ذلك فى قلبى من مشاعر أصابها الشيب وقدر من الجمود، وخوف عشت به ومعه، حتى قطعت طريقا طويلا للابتعاد عنه ولكن ظلت أجزاء منه عالقة بى.

كل الأشياء التى لم أفهمها والأحداث المؤلمة التى مررت منها ولم تمر منى وظلت على حالها بداخلي، وهذا التمسك غير المبرر بأشياء وأشخاص لا تستحق، والمعافرة فى وقت أكون فيه بأمّس الحاجة للانهيار، وعدم الاستسلام بعد الخسائر المتكررة، والفشل فى وجود معنى وقيمة فعلية وجدوى من كل ما يحدث، وتحمُلى للحظات الضعف الصافى مع عدم إظهار ما أُكنه بداخلى أمام أحد، كل هذه الأشياء التى أظن أنها ليست عبثية، فكل جميل لا يموت ولا يفنى بل يصير إلى كوامنه مهما حاولت عوامل الزمن محوه لن تستطيع المساس بأصله.

فبجانب ضراوة هذه الحرب التى تخوضها مع عقلك ونفسك وذكرياتك وأحداث حياتك بين ما ترجوه وما يحدث فعليا، هناك أيضا تلك الحرب التى عليك التصدى لها خارج هذا الإطار، فنحن لسوء الحظ نعيش فى عالم لا ينظر إلى الجمال كضرورة.

ربما نحن مدينون بالشكر لكل الأشياء التى لم تكتمل وتلك التى لم تحدث، لكل ما جرفته الرياح فى طريقها وكل من ابتعد بالرغم من وعده بالبقاء، وكل من بقى بالرغم من عدم اضطراره إلى ذلك وكل من أجبرونا أن نحيا فى أحلام يقظتنا لاحتوائها لنا أكثر من هذا الواقع.

مدينون بالشكر لكل المرات التى بُعثنا فيها من جديد بعدما ماتت أجزاء منا وفينا، هذا البعث الذى جعل التمسك والمعافرة وعدم الاستسلام مبررين جدا، هذا البعث الذى خلق معه أُناسا ساعدونا فى إحياء ما اندثر، جعلونا نعيد النظر إلى أنفسنا وما حدث لنا ببُعد مختلف، جعلونا نُرمم حطامنا.

نحن مدينون لكل الأشياء التى نشكل أنفسنا من خلالها حتى النفس الأخير.

"فليس حزن النفس إلا ظل وهم لا يدوم، وغيوم النفس تبدو من ثناياها النجوم" - جبران خليل جبران.