الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تحديات صعبة تواجه «فالس» في سباق الرئاسة الفرنسي

ئيس الوزراء السابق
ئيس الوزراء السابق مانويل فالس

أربعة أشهر تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وأجواء الترقب تسود على الساحة السياسية خاصة مع إعلان رئيس الوزراء السابق مانويل فالس ترشحه للانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي المقرر عقدها في يناير المقبل لاختيار مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية 2017.

جاء قرار فالس بالترشح بعد إعلان الرئيس فرنسوا أولاند أوائل الشهر الجاري قراره بالتخلي عن الترشح لولاية ثانية خلال الانتخابات الرئاسية القادمة في سيناريو غير مسبوق لأي رئيس فرنسي في تاريخ الجمهورية الخامسة.

وتقدم فالس باستقالته عقب إعلانه الترشح للانتخابات التمهيدية لليسار وتم تعيين وزير الداخلية السابق برنار كازانوف رئيسا للحكومة لتصريف الأعمال خلال الأشهر المتبقية على الانتخابات الرئاسية المرتقبة في أبريل 2017.

وفي خطاب الترشح الذي أدلى به في بلدة "إيفري" الفرنسية، أكد فالس على رغبته في قيادة اليسار نحو النجاح موضحا أن من أهم أسباب ترشحه للرئاسة هو رغبته في مواجهة اليمين المتطرف وعدم تكرار ما حدث عام 2002 عندما تواجه اليمين واليمين المتطرف في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية محذرا من التداعيات الخطيرة لوصول مارين لوبن، زعيمة الجبهة الوطنية، للسلطة وتأثير ذلك على البسطاء والمتقاعدين فضلا عن خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي.

كما انتقد فالس البرنامج الانتخابي للمرشح الرئاسي لليمين فرانسوا فيون والذي يتضمن إلغاء 500 ألف وظيفة بالقطاع العام في خمس سنوات، وتقليص التأمين الاجتماعي.

ويجمع المراقبون على أن فالس سيواجه بمجموعة من التحديات الصعبة التي تجعل الطريق أمامه إلى الإليزيه مليئا بالأشواك. أولى هذه التحديات تتمثل في قدرة فالس على تجميع قوى اليسار "المشتت". فعلى الرغم من تخلي أولاند عن ترشحه لولاية ثانية غير أن ذلك لم يؤد إلى توحيد صفوف اليساريين بل ازداد الانقسام داخل المعسكر الاشتراكي خاصة مع إعلان شخصيات يسارية ذات ثقل ترشحها للانتخابات التمهيدية أمثال أرنو مونتبورغ وبنوا هامون، هذا بالإضافة إلى وزير الاقتصاد السابق إيمانويل ماكرون وزعيم أقصى اليسار جان لوك ميلانشان اللذين قررا خوض غمار الانتخابات الرئاسية دون المرور عبر بوابة الانتخابات التمهيدية للحزب.

ووفقا لآراء المراقبين فإن فالس بعيد كل البعد عن أن يكون مرشح الأغلبية اليسارية، فهو يمثل يمين اليسار في موضوعات الأمن والاقتصاد والمجتمع والعلمنة، وكان دائم التحدث عن "تيارين يساريين لا يمكن التوفيق بينهما". كما أنه فقد كثيرا من شعبيته داخل الحزب الاشتراكي بسبب أسلوبه السلطوي الأمر الذي ظهر بوضوح من خلال تمريره تعديلات قانون العمل الذي أقرّته وزيرة العمل مريم الخمري، وواجهه الشارع الفرنسي باحتجاجات ضخمة وإضرابات واسعة النطاق، ومما عزز الفكرة حول تشدد فالس ذهابه لفرض القانون بالقوة في الجمعية الوطنية ودون نقاش ثلاث مرات عبر استخدام المادة الاستثنائية 49-3 وهو ما كلفه عداوات كثيرة داخل حزبه.

من الأمور التي ساهمت أيضا في خفض شعبية فالس لدى اليساريين، دعواته إلى تغيير اسم الحزب “الاشتراكي” معتبرا أنه قد تجاوزه الزمن فضلا عن إعلانه عام 2014 إنه "يجب الانتهاء من اليسار المتمسك بالحنين إلى ماض ولى".

ومن بين التحديات التي تواجه فالس في معركته الرئاسية أنه سيجد نفسه مجبرا على خوض حملة انتخابية مليئة بالتناقضات، فهو بحكم موقعه ومسئوليته في الحكومة الفرنسية مجبر على الدفاع عن حصيلة ولاية فرانسوا أولاند الإيجابية والسلبية، وهو ما قد يفقده الكثير من شعبيته في ظل استياء الرأي العام الفرنسي من ولاية الرئيس الاشتراكي وامتعاضه من أدائه السياسي. لذلك سيضطر فالس إلى اتخاذ مواقف بعيدة عن أولاند والتعبير عن قناعات تميزه عنه وهو ما قد يساهم في إبراز أوجه الخلاف بينهما ومن ثم حرمان فالس من دعم أنصار الرئيس داخل الحزب في الوقت الذي يبدو في أمس الحاجة لمثل هذا الدعم.

وأخيرا، وفي حالة اختيار فالس مرشحا لليسار في المعركة الرئاسية فإنه سيواجه خصمين شرسين من اليمين، فرنسوا فيون، واليمين المتطرف، مارين لوبن.

في هذا السياق أظهر استطلاع رأي لـ "بي في أيه-سيلزفورس" أنه إذا فاز فالس بترشيح الحزب الاشتراكي خلال انتخابات تمهيدية فإنه لن يحصل إلا على 13 في المئة فقط من الأصوات في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة وبالتالي سيصعد فيون ولوبن إلى المعركة الأخيرة من السباق الرئاسي.

وهنا يبدو فالس أمام مهمة شديدة الصعوبة، فمن ناحية تحظى لوبن حاليا بشعبية واسعة في الأوساط الفرنسية خاصة مع تصاعد التيار الشعبوي داخل أوروبا وخارجها. كما تبدو لوبن أكثر قربًا إلى الطبقة العاملة من فيّون، فهي تريد عودة سن التقاعد إلى 60 عاما، وزيادة الإنفاق العام، وحماية الاقتصاد بالخروج من الاتحاد الأوروبي وتشديد الرقابة على الحدود. وأظهرت استطلاعات الرأي أن مواقف لوبن هذه قد جذبت إليها نسبة 45 في المئة من العمال و38 في المئة من الموظفين والشبان والشابات الذين يبحثون عن أول وظيفة لهم.

من ناحية أخرى يحظى فرنسوا فيون بفرصة قوية في الفوز في السباق الرئاسي حيث أنه يمثل "التيار المحافظ" داخل حزب الجمهوريين اليميني ويبدو المرشح الأكثر قدرة على جذب الناخبين خاصة في المعسكر اليميني حتى أن فالس وصفه بأنه "خصم جاد جدا بالنسبة لليسار". كما أن معظم الاستطلاعات تستبعد فوز لوبن في الجولة الثانية من الانتخابات نظرا لخطورة برنامجها على البلاد وإدراك معظم الفرنسيين لهذا الأمر.

أمام هذه المعادلة الصعبة يقف مانويل فالس في مأزق حقيقي فهو غير قادر على توحيد صفوف اليسار خلفه، كما أنه لم ينجح في تقديم برنامج يساري يساهم في النهوض بالاقتصاد وخفض معدلات البطالة لتفادي تكرار أخطاء فترة أولاند وهو ما يضعه في موقف صعب في معركة الرئاسو القادمة ويقلل من فرص استمرار الحكم الاشتراكي.