الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نجحت العملية ولكن مات المريض.. حلب أنموذجًا


المعضلة الأساسية التي نعاني منها نحن شعوب المنطقة هي سيطرة العقلية الأحادية على تفكيرنا ونمط حياتنا وتعاطينا مع الآخر. وحتى تعريفنا للثورة يلزمه التمعن فيه بشكل أكثر جدية لأنه في النتيجة يفضي إلى نفس الحالة التي تثبت أننا ننقاد وراء عواطفنا التي تغلب عليها الغريزة والتأثر بالعلوم الوضعية التي تمت صياغتها وفق منطق المطلق والبعيدة عن النسبية العلمية.

"الثورة في المفهوم الفلسفي لا تعني تغيير الحدود السياسية وهدم الدولة أو بناء دولة جديدة، إنما تعني بناء المجتمع والإنسان الحر والديمقراطية كضمانة أساسية لمكتسبات الثورة"، حسب ما قال السيد عبد الله أوجلان.

المقاربة الفلسفية من معنى الثورة لها دلالات كبيرة في معرفة مقاربتنا من مفهوم الثورة ككل، إذ إلى الآن ننقاد نحو الأمور الجاهزة أو سريعة التحضير أو الوصول بأقل وقت للنتيجة التي نأملها، لكن الواقع الذي عشناه ونعيشه أثبت العكس تمامًا، حيث المعادلات الدولية لها تأثير قوي على مجرى الأحداث التي تعصف بنا من كل حدب وصوب، فالثورة لا تعني بتاتًا هدم وحرق مؤسسات الدولة لأنها بالنهاية هي مؤسسات خدمية تخدم المجتمع وليس لها علاقة بالنظام ولا تمثله، وكذلك الثورة لا تعني قتل وذبح وإقصاء الآخر على الهوية المذهبية أو الطائفية كما حدث في سوريا، بل تعني احترام الإنسان لأنه هدف الثورة بحد ذاتها، أي أن هدف الثورة هو بناء الإنسان وليس قتله تحت أي مسمى كان.

السؤال المهم الذي يتم طرحه والنقاش عليه هو: هل تحررت حلب أم سقطت ودُمرت حلب؟ سؤال منطقي في زمن تاريخي يتم طرحه، ولكن المهم ليس في السؤال بقدر ما يكمن في الجواب وكيفية تبرير هذا النصر أو السقوط. إذا نظرنا إلى الطرفين نراهما يتبعان أهواء من يدعمهم وكأنهم يعيشون مرحلة كُتّاب السلطان يرددون ما يريد السلطان سماعه والحصول على فتات العيش من الخنوع والخضوع.

المنتصر يحتفل على أشلاء المواطنين ويشربون نخب انتصارهم بين سحب أدخنة البارود والدمار والقتل والخراب الذي حلَّ بكل سوريا عمومًا وحلب على وجه الخصوص، وكأن الحرب في سوريا انتهت وسيعود كل شيء كما كان وكما يشاؤون.

المنهزم يلطم ويتباكى ويبكي على أطلال المدينة التاريخية العريقة، حلب التي كانت ملتقى الثقافات منذ فجر التاريخ. يلطم على خيانة الدول الداعمة لهم حينما كانوا يمنحونهم الفتات ويتباكون على الشعب الذي بقي يلاقي حتفه وموته تحت آلة القتل والدمار وهم في فنادق أوروبا وأولادهم يعيشون طيب الحياة، يبكون على ما فقدوه من ورقة كانوا يشحدون بها على أنها ملحة حلب الكبرى وغزوة حلب ولبيك يا أختاه يجمعون الثروة من ثورة ليس لهم علاقة بها بل هم سارقوها الأصليون.

المنتصر والمنهزم يرقص مأساة شعب حلب ويدورون في حلقة مفرغة لا تغني أحدًا من جوع، لأن الكل خاسر في هذه الحرب والذي دفع ضريبة النصر والهزيمة هو الشعب المغلوب على أمره.

لا منتصر في هذه الحرب لأن الطرفين يسعيان إلى نفس الهدف ألا وهو الحفاظ أو الوصول إلى السلطة وإلغاء الآخر. سقطت حلب حينما تمت أسلمة الثورة، سقطت حلب حينما ارتهنت المعارضة لأردوغان والسعودية اللتان لا تفكران إلا بأجنداتهما الخاصة، سقطت حلب حينما كان الثوار من دون مشروع وطني جامع للكل، سقطت حلب وستسقط غيرها من المدن لأن من يمثلونها من سياسيين وقادة فصائل تركوا النظام ووجهوا فوهات بنادقهم لحليفهم الكردي في حلب وريفها وكوباني وراس العين وغيرها من المدن.

سقطت حلب في سوق النخاسة الدولية قبل أن تسقط داخليًا، سقطت في التبادل التجاري على الدم السوري بين روسيا وتركيا، سقطت واغتصبت حلب بالمقايضة بين بوتين وأردوغان بين أخرج من "حلب" وادخل إلى "الباب"، وربما في القريب سيكون المزاد العلني بين سماسرة الحروب، خاصة حينما تتم مقايضة "إدلب" مع مدينة "الرقة" بين نفس السماسرة، وسيدفع بلهاء الثورة بالتحرير الافتراضي لجغرافيا غير موجودة سوى في مخيلتهم المثقوبة أخلاقيًا.
انتصار ممزوج برائحة الدم والخراب والاغتصاب الأخلاقي المجتمعي ولكن بعد أن ماتت حلب تاريخيًا وهي تندب نفسها أمام مذبح الكرامة. نجحت العملية وتم استئصال الورم ولكن مات المريض. سيفرح الطبيب بما حققه من إنجاز وانتصار في التمثيل بالجثة وتشويهها وسيندب ويبكي الأقرباء على موت المريض والمدينة التي وقفت شامخة لآلاف السنين.

لنصر أي ثورة لا بد لها أن تعتمد على ذاتها في الأساس وهذا لا يعني ألا تستفيد من الآخر، بل على العكس تمامًا لأن أساس الثورة هو التغيير المجتمعي الذي يهدف إلى تخليص المجتمع من الأورام والأمراض التي فرضتها النظم الحاكمة على المجتمع خلال سيرورة حكمها من فساد وبيروقراطية ومحسوبية وإقصاء والعمل على بناء مجتمع يكون فيه العدل أساس الحكم والكل يعمل من أجل الكل وليس الكل يحارب الكل. بعيدًا عن الصراعات المذهبية والطائفية والعرقية، بل احتواء الكل في حضن الوطن الواحد الذي يتسع للجميع.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط