الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بعض مؤامرات قتل ناصر


كتب أيزنهاور في مذكراته (كيف نستطيع أن نبني سعود كمنافس لناصر في العالم العربي وفي نفس الوقت نكبح جماح حلفائنا الأطلسيين وهم على وشك أن يطلقوا العنان لحماقاتهم؟ عرض علي هوفر وكيل الخارجية ، خطة لإسقاط ناصر تقوم بها إحدى وكالاتنا و لم أوافق لأنه يسهل كشفها.

حاولت بريطانيا كثيرا أثناء مفاوضات الجلاء عن مصر،قبل ثورة ٥٢ وبعدها، أن تدفع بضرورة بقاء قاعدتها العسكرية بالسويس ، وهي القاعدة الأكبر على مستوى العالم في هذا الوقت،بحجة حماية قناة السويس ، ورفضت مصر ، وتمسكت بقدرة الجيش المصري على الحماية.

ثم لعبت بريطانيا بورقة حماية الشرق الأوسط من الخطر الشيوعي وتمدد الاتحاد السوفيتي، وحاولت بناء حلف عسكري،يكون امتدادا للاحتلال ، ورفضت مصر ، ولكن بريطانيا لم تكف عن المحاولة.

ثم جاء دور أمريكا بعد أن أزاحت بريطانيا عن عرش السيطرة على المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط مستخدمة نفس الحجة، حماية الشرق الأوسط ، وكان حلف بغداد المكون من دول مثل العراق وإيران وتركيا ضد الصعود القوي للقومية العربية ، ولكن مصر أفشلته.

و١٩٥٨ كانت تركيا قد حشدت قواتها العسكرية على حدود سوريا ، وفشل التهديد التركي بفعل الوحدة بين مصر وسوريا ، وظلت أمريكا تحاول وضع قواعد عسكرية في مصر والمنكقة والسيطرة عليها ولكنها فشلت أمام صمود عبد الناصر الذي تمسك بممارسة مصر وشعوب المنطقة الحماية الذاتية ورفضه استبدال استعمار بريطاني بآخر أمريكي.

وفي ١٩٥٦ حاولت أمريكا شراء الصلح مع إسرائيل مقابل السد العالي ورفض ناصر ، الذي أصبح عقبة أمام السياسة الأنجلوأمريكية في المنطقة ، وبدأت محاولة التخلص من ناصر ، (قص أجنحة ناصر) بأخذ سوريا و السعودية منه، على أن يكون واضحا ضرورة التفرقة بين أسلوبين في العمل ،لأن ما يصلح في سوريا لا يصلح في السعودية...وتم اختيار أسلوب الانقلاب في سوريا ، أما السعودية فيتم تحريضها ضد ناصر.

وفي سبيل الوقيعة وتحريض السعودية اعتمدت خطة ( تبصير السعوديين بالخطر المصري الانقلابي، وبأن هذا الخطر إذا ترك على مداه سوف يؤثر على كل العروش في المنطقة ) ..وقدم كيرميت روزفلت مسئول المخابرات المركزية عن الشرق الأوسط تقديره أن أسلوب الانقلاب لا يصلح مع ناصر لشعبيته الجارفة ، وليست هناك وسيلة للخلاص منه سوى باغتياله.

..وعقدت اجتماعات بين المخابرات المركزية الأمريكية مع إدارة M16 وهي إدارة المخابرات البريطانية ، وكان البريطان يدفعون بكل قوة من أجل الخلاص من ناصر بالاغتيال، و ولكن أمريكا كانت في هذا الوقت تمارس ازاحة لبريطانيا من المنطقة ، وتسعى لاحتواء ناصر فسربت له معلومات ، وكانت فرنسا أيضا تحاول اغتيال ناصر بسبب مساندته للثورة الجزائرية وبعثت شحنة أسلحة وقنابل في حقيبة لسفارتها في القاهرة بواسطة حقيبة دبلوماسية وفشلت المحاولة.

وجندت إسرائيل رئيس خدم من أصل يوناني ،اسمه أندرياس يعمل في محلات جروبي - وكان وقتها متعهد الحفلات الرسمية - بأن يضع السم في شئ يأكله جمال عبدالناصر أو يشربه، ويالفعل وضع اندرياس جرعة السم في فنجان قهوة كان يقدمه لناصر عقب حفل عشاء ، ولكن أعصابه خانته في اللحظة الأخيرة، فارتعشت يداه واضطرب على نحو لاحظه مسئول الأمن في الحفل ، ومن أول سؤال انهار اندرياس واعترف.

ومع تصاعد الصراع الناصري الثوري ضد الهيمنة الأمريكية ، تحولت السعودية لعدو لناصر وسعى الملك سعود بن عبدالعزيز مرات عديدة لقتل ناصر ، من خلال مؤامرات داخل مصر ، وخارج مصر خاصة في سوريا.

ووصل عبد الناصر إلى دمشق يوم 24 فبراير ، وتوجه من المطار إلى بيت شكرى القوتلى، وصحبه معه إلى قصر الضيافة الذى أعد لإقامته ، وبدأت جماهير سوريا كلها ، تزحف إلى القصر وتحيطه ببحر عارم من البشر ، وظهر جمال عبد الناصر على شرفة القصر ، يتحدث لأول مرة مع الشعب الذى انتخبه رئيسًا له دون أن يلتقى به مباشرة وجهًا لوجه ، وتكرر ظهوره على الشرفة ، وتكررت خطاباته للجماهير فى ذلك اليوم أكثر من عشرين مرة.

وفى نهاية يوم حافل بالمشاعر الجياشة ، دخل جمال عبد الناصر إلى غرفة النوم المعدة له ليلتقط أنفاسه ، متصورًا أن أمامه ساعات يستريح فيها قبل أن يبدأ يومًا جديدًا فى دمشق ، خصوصًا وأنه كان قد عرف أن وفود الأقاليم السورية قد بدأت مسيرات شعبية عارمة تشق طريقها إلى دمشق.

وصحبه إلى غرفة نومه المقدم عبد الحميد السراج ، رئيس المكتب الثانى ، ليقول له أن لديه موضوعًا يريد أن يطلعه عليه ، وسأله جمال عبد الناصر ، وهو يخلع ملابسه ، ويستلقى على الفراش : " ألا ننتظر حتى الصباح ؟ فأجابه السراج " فخامة الرئيس ، أنا أعرف أنك مرهق ولكنى أريد توجيهك فى الموضوع الذى أريد عرضه عليك ، لأنه لا يقبل الانتظار " . وسأله عبد الناصر : هل يضايقك أن أسمعك وأنا مستلقى على السرير ؟ ورد السراج : " سيدى أننى أريدك أن تستريح ، ولم أكن لأشغلك بهذا الذى سأقوله لولا خطورته".

ثم راح السراج يروى تفاصيل ما لديه ، وقال وهو يخرج مجموعة أوراق من جيب سترته الداخلى ويضعها على مائدة صغيرة بجوار السرير ، وقد أتى بمقعد جلس عليه قربها : " إن الملك سعود له صهر اسمه " أسعد إبراهيم " والملك متزوج من ابنته ، التى أنجبت له إبنًا هو الأمير خالد ، وأسعد إبراهيم هذا اتصل بى عن طريق وسيط ، هو النائب عزيز عياد ، وعرض على مبلغ مائة مليون جنيه استرلينى إذا قمت بانقلاب يحول دون قيام الوحدة بين مصر وسوريا قبل إعلان نتيجة الاستفتاء ، وكان العرض أن يدفعوا لنا عشرين مليون جنيه إسترلينى مقدمًا ، على أن يُدفع الباقى بعد نجاح الانقلاب ، لكى يساعد على إصلاح الأحوال.. ومعى هنا كل الوثائق والمستندات.

ونهض جمال عبد الناصر من فراشه ، وأخذ مقعدًا فى مواجهة السراج ، وطلب إليه أن يبدأ القصة من أولها ، وأن يطلعه على وثائقها ، ومستنداتها ، وراح يسمع ، ولنصف ساعة كان السراج يتكلم دون مقاطعة ، ثم سلم الرئيس جمال عبد الناصر ، الذى كان يستمع مبهوتًا مجموعتين من الوثائق : مجموعة لصور الشيكات ، وأذونات الدفع المتعلقة بها ، ومجموعة من إشارات تحركات الطائرات الملكية السعودية الخاصة التى وضعت تحت تصرف " أسعد إبراهيم " والتى كانت تنتقل ذاهبة من دمشق إلى الرياض ، عملية سحب الشيكات كنت أريد أن أتأكد أن قيمتها سوف تنتقل إلى حوزتنا فعلًا ، وكنت فى بيتى مساء ليلة أول أمس أفكر فى الموضوع ثم تذكرت أن جاري فى الدور الأسفل من البيت هو مدير البنك العربى فى دمشق (وهو البنك الذى تمت عن طريق فرعه فى الرياض عملية سحب الشيكات على بنك ميدلاند فى لندن ونزلت إليه وكانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، وأيقظته من النوم، وقلت له أن لدى شيكات ، وأنا أخشى أن يتدخل أحد لإيقاف دفع قيمتها ، ولذلك فأنا أريد إتمام الآن .. وأخذته إلى فرع البنك العربى المحدود فى دمشق ، ومعى بعض الضباط ، وهكذا فى أول ساعة من الصباح كانت عملية سحب المبلغ من بنك " ميدلاند " برقيًا وإيداعه باسمى فى حساب سويسرا قد تمت.

ويقول هيكل ، أن جمال عبد الناصر ، لم ينم ، وتزاحمت الخواطر فى مخيلته ، ولعله فهم وقتها لماذا لم يتلق ردًا من الأمير فيصل ، مع أن فيصل قد وعده بأن يرد عليه.

ولم يتردد عبد الناصر ، هذه المرة ، فى إعلان تفاصيل المؤامرة ويرويها للجماهير المحتشدة أمام قصر الضيافة ، ولم تصل الحقيقة إلى هذه الجماهير وحدها ، وإنما وصلت فى نفس الوقت إلى كل أطراف الأمة العربية ، بما فيها السعودية .وبعد ذلك عقد السراج مؤتمرًا صحفيًا ومعه جهاز تسجيل ، وقال للصحفيين مداعبًا : " راح أسمعكم طقطوقة لأم كلثوم".

" بعد أن أعلن الاتفاق على إقامة الوحدة بين مصر وسوريا طلب النائب عزيز عياد أن يقابلنى، وقابلته ، وقال لى أن صهر الملك سعود ، وهو أسعد إبراهيم يريد أن يقابلنى ، وأحلته إلى ضابط الشعبة الثانية ، لكى يستطلع ما عنده ، وطلبت أنا معلومات عنه ، وعرفت منها أنه والد زوجة الملك ، المعروفة " بأم خالد " وأنه – أسعد – أصبح بعد ذلك من أصحاب الملايين ، وأغرب ما أظهرته المعلومات التى جاءتنا عنه ، أن الرجل قبل أن يتزوج الملك من ابنته كان متهمًا ومحكومًا عليه فى قضية سرقة حمار".

" ثم رأيته بعد ذلك ، وجلست معه لكى أعرف بنفسى ما عنده وراح يتكلم فى أمور عامة ، ثم خلص إلى أن الملك سعود متضايق من الوحدة وسماها " الوحدة الوسخة " ، وقال أنتم ضباط الجيش مشهورون بوطنيتكم وكيف تسلمون أموركم إلى شخص عسكرى ، وبكرة سوريا تزول من الوجود ، وهذا " استعمار مصرى " وأن الملك سعود يقسم برحمة أبوه الملك عبد العزيز " أن هذه الوحدة يجب ألا تتم بشكل من الأشكال ، وأنه على استعداد تام لوضع جميع الإمكانيات المادية والمعنوية لنجاح الحركة واعترافات دولية أيضًا ، وحينما قلت له ، ونحن جاهزون أيضًا ، راح يعرض مائة مليون جنيه إسترلينى ، يسلم لنا منها عشرين مقدمًا والباقى بعد نجاح الانقلاب ، قبل إتمام الوحدة ، ثم أضاف أن الملك ضمن لنا " أن السفير الأمريكى سوف يقدم لنا اعترافه بنظامنا فور إعلان الانقلاب ، وكذلك اعتراف كل الدول الصديقة للولايات المتحدة " ."

وبعد يومين عاد أسعد إبراهيم وسلمنى شيك بمبلغ مليون جنيه إسترلينى مسحوبًا من البنك العربى المحدود بالرياض على بنك ميدلاند فى لندن ، وكان مدفوعًا لحامله شيك رقم 52/85902 ، عاد بعد ذلك بشيك بمبلغ 700 ألف استرلينى بشيك رقم 58/85903 ، ثم عاد بشيك آخر بمبلغ 200 ألف جنيه استرلينى برقم 59/85904 ، وسألت أسعد إبراهيم عن بقية المبلغ فقال هذه 2 مليون جنيه والباقى عندما يحدث شىء ، ولم تكن الشيكات التى سلمها لى بـ 2 مليون وإنما بمليون و900 ألف فقط ، وكان علىّ أن أفهم أنه اختصم لنفسه مائة ألف جنيه إسترلينى عمولة".وسارت العملية تحت اسم كلمة " البداية".

ما أشبه الليلة بالبارحة ..اقرأ إن شئت التاريخ لتفهم الحاضر ، اقرأ كتاب الهزيمة الكبرى ، لمؤلفه أحمد الشقيري ، أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية ، و سلسلة حرب الثلاثين عاما لمحمد حسنين هيكل، و في كواليس الشرق الأوسط ، لإريك رولو ، والكواليس السرية للشرق الأوسط ليافجيني بريماكوف، و إن كنت تبحث عن معلومات سهلة مركزة فعندك المؤامرات التي تعرض لها ناصر لرفعت سيد أحمد على شبكة المعلومات الانترنت.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط