الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هذه هي مصر .. تلاوة القرآن في عزاء مسيحي !!


قشعريرة تجتاح حروف الأبجدية كلها عندما تقف حيال هذه الجملة التي تعبر عن حقيقة حاول البعض هجرها وتدين حاول الكثيرون تشويهه وتجاوزه ..

بل حقيقة رسختها قصيدة عامية لبيرم التونسي في منتصف القرن العشرين يحكي فيها بود عن العلاقة الأخوية بين المسيحيين والمسلمين في مصر ..

العنوان الذى هو بيت من قصيدته كان إنتاجا مصريا صرفا .. فلم يخرج به بيرم من تونس رغم عظمتها ولم يبح به إلهامه إلا من على شواطئ النيل ليعرف العالم أن هنا وطنا منتجا للحضارة في مواجهة زحف الصحراء بأفكارها المتطرفة التي تريد أن تسرق الوطن الجميل وتحوله إلى طرحة حمراء وثوب قصير يهرول خلف محجنة من دماء وهو يظن أنه يصنع نصرا أو يؤسس للدين والحياة من البهجة فصلا ...!!

ورغم الصعوبات والزحف الصحراوي الذى عمل على تصحر البيئة الثقافية المصرية بما تنتجه الزوايا السلفية من تشوهات طالت العقل المصري إلا أن الأمل لا يزال يعيش في نواصينا ... ويرتل بطريقته تغريدة مصرية حالمة فينا ... تقول إن العمران يثير الوجدان .. وأن أمام كل مئذنة صعدت منارة وقبة تدق أجراسها لتقول بما يكفي أن الوطن الذى يتعانق بنيانه لا محالة سيتعانق وجدانه رغم الإنفاق السخي على الإرهاب وتصوير إجرامه كبطولات يرفضها العقل كما يستهجنها كل دين فطري سوي .!!

في منطقة فيكتوريا بحي شبرا الذى يقدم ملحمة مصريه بطريقتها الخاصة تلوي عنق العنف وتدفع السلام الاجتماعي إلى المقدمة ...
انتقل إلى رحمة الله رجل مسيحي من أهل الحي ...
وأقيم له سرادق عزاء يليق بنهاية حياته المسالمة والمشرفة في خدمه وطنه وسلام أسرته ومجتمعه ...
على جدران السرادق تزاحمت الألوان ... ووقفت صورة مبهرة للسيدة مريم أم المسيح الطاهرة ... تحيط بها الصلبان في أيقونة تعطي فكرة كاملة عن بناء عقيدي يقدم فكرة أصيلة عن المحبة والسلام ...

الحي يعيش فيه الكل ... مصريون لا تعرفون في ملامحهم فرقة الأديان ... فمصر التي مَصرت الأفكار والفلسفات وقدمت للعالم ما يزهو بمجده من الحضارات مَصرت أيضا العقائد والأديان فصار الكل مصريا وطنا ... ومصريا دينا ... ومصريا روحا تقاوم الكراهية والقطيعة والخذلان ..

حضر المسلمون العزاء ... فكلهم في الوطن سواء ...وبعد لحظات دخل الشيخ نزيه متولي مقرئ القرآن الكريم ...ليقدم العزاء في صديقه المتوفي ..

أراد منه أصحاب العزاء أن يقرأ لهم آيات من القرآن وقد أحاطوه بكرمهم ومدوه بلاقط الصوت مُصرين على طلبهم ليقدموه للعالم كرسالة تسامح وليقرأ الشيخ في العزاء المسيحي من القرآن ما يشاء وعلى عجل جلس الجميع في خشوع ووجل ... والأبصار مُدت إليه تنتظر..

وبدأ العزاء المسيحي بتلاوة سورة مريم من القرآن الكريم ...وخلف المقرئ جسم السرادق فوقه الصلبان وصورة لأم النور - المسيح ابن مريم -...

بهجة مصرية خالصة استطاعت في لقطة واحدة أن تهدم كل ما فعلته السلفية التكفيرية على مدى ألف عام ...
ليبقى الوجدان المصري منتجا لقيم التعايش صلبا حينما تبدأ المواجهة مع الفكر الزاحف من خارج الحدود يريد هزيمة الوطن في أمنه .. وضرب الوطن في استقراره ... ونبش الوطن في وحدته ... واللعب حول الوطن لإضعافه وتركيعه ..

هنا يلتف الزمان ... ويعود بنا إلى ما كان فينا وحولنا .. ولا تجد المصري الذى رتل سورة مريم في عزاء مسيحي إلا مرتلا بيتا لبيرم التونسي يقول .... وعيسى المسيح روح ربنا والست مريم ستنا ...

وهل هذه إلا الحقيقة التي يجب أن ترفرف فوق كل الرؤوس في وطن عليه أن يبدأ وبكل جدية ووفقا لطبيعته الخاصة في مواجهة إجرام الفكر الذى ينشر التكفير والكراهية ..

فالأوطان لا يبنيها العنف بل الأمان ... ولا تشيدها الكراهية بل السلام ... وهي حقيقة مبثوثة في جذور المسيحية كما هي موجودة في حقيقة الإسلام ... ولكننا وقعنا فريسة بين أنياب سلفية تظن أنها بشرب الدماء ستدخل جنة الرحمن التي خرج منها آدم بأكل تفاحة .. فهل يدخلونها بشيّ الجثث وهدم دور العبادة وسحق الأمان وقتل الأنفس المعصومة.... سؤال يبحث عن جواب بين ركام فكر لئيم يريد أن ينتقم بكل وسائل الخيانة ...؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط