الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سد النهضة بتمويل سعودي !!


مما لا شك فيه أن الخطوة التي قام بها أحمد الخطيب، مستشار العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، وهي زيارة سد النهضة الإثيوبي، لا تنم سوى عن تصعيد مع الجانب المصري، وأرى مثل كثيرين في مصر أنه أنه يسبب توترا في العلاقات بين الرياض والقاهرة خاصة وأنها تعلم موقف مصر من سد النهضة الإثيوبي!

وإذا كانت السعودية تبحث عن الاستثمار في "النهضة" وإثيوبيا، فماذا ستطلب إثيوبيا في المقابل؟ أديس أبابا تطلب، بالطبع، تمويلًا سعوديًا للسد والأحاديث تتناقل حول هذا الأمر!

بقدر الصدمة التي أحدثتها الزيارة بقدر ما خلفت "شرخا" يتسع يوما بعد يوم، على صعيد العلاقة "المتأزمة" بين البلدين.. فالخطوة التي أقدمت عليها المملكة، وبعد فشل محاولة جمع الرئيس السيسي بالعاهل السعودي في "أبوظبي"، سوف تزيد من هوة الخلاف، وتفتح الأبواب على مصرعيها على "حرب المكائد" بين البلدين.

الديوان الملكي السعودي حاول التخفيف من وقع الزيارة على الجانب المصري، مبررًا قيام مستشار الملك بتفقد سد النهضة، بأنه تم في سياق تواجده بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وأن زيارة السد لم تكن مدرجة على جدول لقاءاته بإثيوبيا، فيما اعتبرت الحكومة الإثيوبية، أن زيارة مستشار الملك السعودي لإثيوبيا واجتماعه برئيس الوزراء هيلي ماريام ديسالين وعدد من كبار المسئولين في إثيوبيا، جاء للاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة للتعاون بين البلدين في مجال الطاقة، حيث دعا رئيس الوزراء الإثيوبي المسئولين السعوديين إلى دعم سد النهضة ماديًا، والاستثمار في إثيوبيا، وفوق ذلك الاتفاق على مشاركة المستثمرين السعوديين في مجالات الاستثمار المختلفة في أديس أبابا.

هذه الزيارة وصفت في العاصمة المصرية بـ"المكيدة السياسية" والتي تقوم بها المملكة ردًا على الموقف المصري، الآخذ في التباعد مع المملكة منذ تصويت مصر لصالح المشروع الروسي في مجلس الأمن بشأن الأوضاع في سوريا يوم 9 أكتوبر الماضي، حيث راح التأزم يخيم على مسار العلاقات بين البلدين، والتي بلغت ذروة تلاقيها بالموقف الذي أعلنه الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، دعمًا لثورة 30 يونيو 2013، وذلك بعد إسقاط حكم جماعة الإخوان الإرهابية والمحظورة في مصر وعزل محمد مرسي.. إلا أن محاولات وجهودًا خليجية وعربية، ومجهودات خاصة بذلها كل من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد إمارة أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، وكذلك أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، لم تفلح في احتواء دائرة الخلاف، التي راحت تتسع يوما بعد يوم.

وبعيدا عن الخلاف الثنائي المصري-السعودي، بدا واضحا أن الرياض، والملك شخصيا، تتجه لمنحى آخر في الابتعاد عن مصر، فكانت زيارته لإمارة قطر قبيل انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي في العاصمة البحرينية "المنامة" قبل أسبوعين، والحفاوة التي قوبل بها الملك سلمان، من أمير قطر تميم بن حمد بمثابة مكيدة سياسية سعودية في وجه مصر، ورسالة واضحة عن ملامح تحول في الموقف السعودي، الذي تجاوز حدود "الأزمة المكتومة" ليصل إلى مرحلة "الأزمة المعلنة".

وقد تطورت الأزمة بشكل سريع، وعبر عنها هذا الموقف الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي حين أعلن الأمين العام للمجلس وللمرة الأولي اعتراضه على اتهامات مصرية طالت قطر، حول ضلوعها في تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة، والذي وقع الأحد الماضي وأسفر عن مصرع 26 شخصا وإصابة العشرات.. الأمر الذي أبدت الخارجية المصرية اعتراضها عليه مطالبة دول مجلس التعاون الخليجي ببحث الأبعاد التي تقف وراء محاولات التحريض على الأمن والاستقرار في مصر.

ثم جاء التطور الأخيرة في حرب "المكائد السياسية" التي تشنها السعودية ضد مصر، من دون رد واضح من العاصمة المصرية، حيث رأت أوساط سياسية في القاهرة، أن زيارة مستشار الملك السعودي لسد النهضة تشكل "سابقة خطيرة" و"مكيدة علنية" للإضرار بمصالح 92 مليون مصري، وتشكل استمرارا لمسلسل الأزمات بين البلدين، ولخطوات التراجع السعودية عن الوقوف إلى جانب مصر، وتنفيذ الالتزامات المتفق عليها بينهما، وفي المقدمة توفير الإمدادات النفطية السعودية لمصر، بموجب الاتفاق الذي تعهدت شركة أرامكو السعودية بمقتضاه بمد مصر بكميات محددة من النفط بشكل شهري، فيما رأى آخرون في العاصمة المصرية أن زيارة المستشار السعودي تأتي استكمالًا للطموحات السعودية بالاستثمار في إثيوبيا لمجموعة من المشروعات الزراعية، والتي يرعاها أحد كبار المستثمرين السعوديين، خاصة في منطقة سد النهضة، حيث تتجاوز الاستثمارات السعودية في إثيوبيا نحو 13 مليار دولار، ولفتت المصادر إلى أن السعودية تخطط للاستفادة من سد النهضة في توصيل الكهرباء إلى السودان واليمن في إطار دعمها للدولتين على حساب المصالح المصرية.

من كل قلبي: هذه المكائد وغيرها، تشكل تحركا خاطئا من المملكة وتربك الساحة العربية المليئة بالنزاعات السياسية والعسكرية، وترسم ملامح آفاق "غير إيجابية" لمستقبل العلاقات بين البلدين، وتفضي إلى تكريس التفرقة بين البلدان العربية، وتمنح الدول المتربصة بالمنطقة قدرة هائلة على اختراق مفهوم الأمن القومي العربي، وترسم بصمات سوداء في تاريخ العلاقة بين القاهرة والرياض.. ويرى هؤلاء أن أي خلافات بين البلدين، يجب ألا تكون انعكاسا لتصرفات فردية وقرارات متسرعة تهدد مصالح الشعبين عبر التلويح بالتعاون مع إثيوبيا، والتي تهدد بشكل مباشر "الأمن المائي" للمصريين، مهما كانت درجة الخلاف بين البلدين.. وإن التحركات غير المحسوبة للمملكة تجاه مصر سوف تصيب العلاقات بين البلدين في مقتل.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط