الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أعياد الميلاد وصمود الإيمان المسيحي في مواجهة الإرهاب ...!!


سنبقى نراهن على هذه الروح التي لا تُفرط بالوطن ولا تَكفُر بالتعايش وقد جعلت من الإيمان المسيحي فكرا يسري في السلوك كسريان الدماء الطاهرة في العروق النقية ..

هكذا تُفاجئ العالم .. المسيحية الطيبة وشعوبها في الشرق ...خلف هتك الحرمات التي وقعت للمسيحيين في سوريا والعراق وجدنا الشعب المسيحي هناك يرفع لأجل الإرهابيين الصلوات طلبا للهداية وصفحا عن الإساءة حتى لا يتسرب في القلب المسيحي ضغينة تبني فوقها صرحا من مشاعر الانتقام .. وليبقى هذا المشهد الكبير سرا من أسرار بقاء الكنيسة وشعبها إلى اليوم في وسط المحن وأجوائها الخانقة ...!

وبين أكوام الرعب الذى دبت في كنيسة البطرسية على أثر تفجير إرهابي سلفي داعشي وقع وسط طقس الصلاة داخل الكنيسة ليسقط قرابة 25 شهيدا فضلا عن عشرات الجرحى نواجه بنفس المشهد الذى بنته الكنيسة في سلوك شعبها المحب للوطن والمتسامح والمصلي لأجل من يعتدون عليه ويظلمونه .. بل وينتهكون حتى حرمات المكان وحرمات الطقس ويخطفون طفولة بريئة من بين أيدي الحياه ويذهبون بها إلى نهاية الموت وسط لهب من التفكير الدنيء ..

تقف الأم المصرية بنت حي الوراق في القاهرة والدة الشهيدة مريم لتقول للناس وعلى الملأ وبصوت يحدوه الأمل والسلام الداخلي .. لا أثر فيه لحشرجة الغضب ونزعات التشفي ولا رغبات الانتقام مما أبهر جميع المتابعين لهذا التصريح المثير عندما فاض منها كما يفيض الندى على أوراق الشجر تقول أم الشهيدة ... ( أصلي من أجل القتلة وأتمنى أن ينير الله عيونهم حتى لا يقابلوا الله هكذا ..)

لو لم تصنع المسيحية إلا هذا البناء الروحي والسلام الاجتماعي والسلوك الإيماني الصامد في وجه الفتانين لكفاها مجدا قدمته للحياة رسالتها فجاء على أكمل الوجوه وأتقاها ..!

الحقيقة أنني لم أستمع إلى هذا التصريح مباشرة ولم أحاول الوصول إليه إلا بعدما جاءني يفيض قلبه بالبِشر أحد الأصدقاء البسطاء وهو يتساءل في عجب لقد سمعت البارحة تصريحا لإحدى الأمهات في تسامح ورقة تقول أنها سامحت من قتل ابنتها وأنها تصلي من أجله.. بادرته بابتسامة كابتسامته ..

بريئة كالكلمات الماضية .. وقلت له .. إن المسيحية ديانة سلام ومحبة وتسامح .. لا تعرف العنف ولا تبذل المنكر ولا تدفع إلى العنف أو الإساءة .. وتتمثل في وفاء قول المسيح ( لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ) . 

وهذه الشعوب الطيبة التي تربت على هذا النبل ما كان لها أن تعطي مصر والعالم إلا هذه الثروة من السلوك المتسق مع هذا الثراء من القيم .. إنهم طيبون للغاية ومخلصون جدا ..

فقط علينا أن نتعلم شيئا مهما .. حديثي ما زال موصولا لسائلي .. أن نتوقف فورا عن الإنصات للخطاب السلفي الطائفي البغيض الذى يريد أن يسرق العالم إلى هواه ويخوض في وسط صفوفه بسيف يحقق ما يتصوره عن الدين ويفهمه خطأ عن الإله ..!

ولا بديل أمامنا لإنشاء وطن مستقر إلا نبذ كل فكر طائفي يدعو إلى التفرقة بين أبناء الوطن والواحد ونرفض من الألفاظ كذلك ما يعتبره الآخر أنه يضعه في مرتبه مواطن أقل درجة .. فليس في مصر أهل ذمة بالمعنى الذى يروجونه .. بل كلنا مواطنون في ذمة القانون والدستور عملا بقيم الدولة الحديثة وأصول المواطنة الرشيدة التي لها حقوق وعليها واجبات ..

كانت هذه تصريحات أم شهيدة الوراق .. أما أنك لو سمعت أم ماجي الطفلة البريئة التي خطفها الإرهاب وذهب بها بين الشهداء إلى حضن السماء لرأيت تسليما محبا للقضاء راضخا برضى للقدر ..حين قالت الدكتورة نيرمين والدة الطفلة الشهيدة ماجي "احنا بنربي عشان ندخل السماء وأهي ماجى راحت السماء".

هذه نماذج تعطي لمصر وجهها الحضاري وتعطي للتعاليم المسيحية وجهها الإيماني ... في حالة تسامح ومحبة وسلام لا يعرفها الإرهاب خاطف الأرواح وناشر الدمار ..

فسلام على ابن مريم في أيام ميلاده المبارك وسلام على مصر.. وسلام على كل ورقة مقدسة تصنع هذا الفيض الكريم من الأخلاق لنتقوى بها على مواجهة المحن وكسر كل عدو يتربص بوحدة الوطن.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط