الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الدواء والمريض الحائر


هذه الأيام نتابع جميعًا التسعيرة الجديدة للادوية فى مصر، والمأزق الذى وجد المريض المصرى نفسه فيه، فلو كانت الزيادة قاصرة على أسعار الدواء فقط لا غير لكان بالامكان تحملها، لكن زيادة أسعار الأدوية جاءت ضمن زيادة أسعار كل شئ، بداية من ملابس المواليد الجُدد وحتى أكفان الموتى، مرورًا بمعظم أنواع السلع الغذائية وغير الغذائية.

فكل شئ يزيد بصورة شبه يومية، ولا أحد بات يعرف ما هو السقف الذى ستتوقف عنده زيادات الأسعار فى مصر، ولذا كانت زيادة أسعار الدواء قاصمة لظهور ضعيفة أنهكها الغلاء الفاحش فى كل شئ.

وكواحد من اللذين عملوا لسنوات طويلة فى قطاع الدواء فى مصر، أستطيع أن أقول بكل ثقة إن تكاليف إنتاج الدواء من خامات وتصنيع فى حدود عشرون بالمائة من سعر البيع للجمهور فى الغالبية العظمى من أصناف الأدوية، وان كانت النسبة المتعارف عليها هى أن تكلفة الإنتاج من الخامات فى حدود عشرة بالمائة فقط لاغير من سعر بيع المنتج النهائى للجمهور.

أما باقى التكلفة تتوزع ما بين خصم لشركة التوزيع فى حدود خمسة وعشرون بالمائة الى ثلاثون بالمائة فى المتوسط التقليدى، تزيد ولا تنقص، تمنح منه شركة التوزيع خصم فى حدود عشرون بالمائة للصيدلى وثلاثة بالمائة للدفع النقدى، والمستشفيات تأخذ خصما إضافيا فى حدود سبعة بالمائة، أى ان الخصومات على التوزيع تصل فى المتوسط الى خمسة وثلاثون بالمائة، هذا بخلاف نسبة من الأدوية تقدم خصما إضافيا (بونص) ونسبة أخرى كعينات مجانية للدعاية.

كل هذه الخصومات يتم منحها للأدوية التى يتم تداولها بصورة قانونية ويتم إنتاجها فى شركات تلتزم بكل أداب وأخلاقيات العمل، لأن هناك بعض الشركات الخصومات فيها تبدأ من خمسون بالمائة وتصل إلى سبعون بالمائة من سعر البيع للجمهور، بل أن بعض الشركات الكبرى تمنح خصومات من خمسين الى ستين بالمائة من سعر البيع المدون على علب الأدوية فى نهاية السنة على أصناف بعينها لتحقيق أرقام بيعية معينة.

وبالإضافة إلى هذه الخصومات فإن هناك تكاليف الدعاية للأدوية، وهى لا تقل عن نسبة عشرة بالمائة فى أفضل الأحوال، وهذا يفسر لنا كيف أن تكاليف إنتاج الدواء لا تزيد بأى حال من الأحوال عن عشرون بالمائة من سعر البيع للجمهور، ولذا فإن تضاعف سعر الدولار لن يؤثر إلا على نسبة العشرة أو العشرون فى المائة من سعر الدواء على فرض أن كل الخامات تم استيرادها.

هذا بالنسبة للأدوية المتنجة محليًا، أما الأدوية المستوردة فهى خاضعة لأحتكارات واضحة ومقننة فى مصر، وهو ملف مسكوت عنه بدون سبب واضح حتى الآن، وقد كان السكوت عنه أيام الرئيس مبارك مفهومًا، وهو أن أصحاب المصلحة فى الاحتكارات هم من المقربين من السلطة، أما اليوم فالوضع مختلف، وإن كانت الاحتكارات تم صناعتها عن طريق قوانين عقيمة وغير منطقية تحكم أستيراد وتسجيل الادوية فى مصر فى الماضى فإن الحاضر يجب أن يتغير.

فنظام الحكم اليوم ليس له مصالح فى بقاء هذه القوانين التى تم صياغتها وتفصيلها لمصالح شخصية وان كان ظاهرها هو المصلحة العامة , أو قوانين لم تعد تتماشا مع العصر الذى نعيش فيه , فليس من المعقول ان يكون هناك دواء يتم انتاجه وتوزيعه فى أوربا وحاصل على جميع شهادات الاعتماد العالمية ولا يتم السماح بتداوله فى مصر إلا بعد إجراء اختبارات عليه لمدة عامين .

لذا تجد المستورد هو المتحكم الوحيد عمليًا فى تسعير وتوفير الادوية فى مصر , فيستورد ما يربح منه أكثر ويتوقف عن استيراد الاصناف التى تقل أرباحها , فالموضوع بالنسبة اليه عملية تجارية بحته , ولذا فأن الدولة مطالبة بشئ واحد واضح ومحدد وهو فتح سوق أستيراد الادوية أمام الجميع , والدواء المسجل فى بلد المنشأ فى دول أوربا أو الولايات المتحدة يتم تسجيله فى مصر تلقائيًا , أو البديل الأخر هو قيام الشركة المصرية لتجارة الادوية بأستيراد أى دواء ناقص وتسجيله فى مصر مباشرة بمجرد وصوله مصر .

لأ أحد ينكر حق شركات الدواء المصرية فى ان تكسب وتحقق أرباحا كى تستمر، وهذا الحق يجب ألا يتعارض مع حق المريض المصرى فى الحصول على الدواء، فعندما تصبح الأسعار فوق متناوله فهذا معناه حرمانه من حقه فى العلاج، ولذا كانت هناك حلولا بديلة لطريقة التسعير الجديدة تحقق مصالح كلا الطرفين، الشركات المنتجة والمرضى معًا .

فعندما طلبت وزارة الصحة من الشركات أعداد قائمة تمثل 15 % من أصنافها المسجلة لديها، قامت كل شركة بأختيار الأصناف الأكثر تداولًا والاكثر ربحية فى نفس الوقت، والنتيجة كانت ان الغالبية العظمى من أصناف الأدوية المتداولة بصورة فعلية فى الأسواق هى التى زادت، وهو وضع كارثى على المرضى، لأن الزيادة طالت كل الأصناف التى يستخدمونها.

ولذا فإن طريقة التسعير الجديدة كانت خاطئة تمامًا وغير متوازنة ولا تصب إلا فى مصلحة شركات الإنتاج والاستيراد فقط لا غير، والخاسر الوحيد هو المريض المصرى المغلوب على أمره .

فما البديل لهذه التسعيرة غير العادلة ؟ وكيف نحقق التوازن بين مصلحة الشركات ومصلحة المريض، هذا ما سنحاول إلقاء الضوء عليه فى المقال القادم إن شاء الله.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط