الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصر تحتفي "بثقافة تمكين المرأة" في الاحتفال بعام المرأة

صدى البلد

أعلنت مصر أن عام 2017 هو "عام المرأة" فإن "ثقافة تمكين المرأة" حاضرة بقوة وحفاوة في العقل الثقافي المصري وفي وقت مازالت فيه قضايا النساء مطروحة في كل الثقافات سعيا لعالم أكثر عدالة وإنسانية.

وقالت رئيس المجلس القومي للمرأة الدكتورة مايا مرسي إن فعاليات عام المرأة ستنطلق اعتبارا من شهر مارس المقبل وحتى شهر مارس من العام القادم فيما تبذل مصر جهدا كبيرا دفاعا عن حقوق المرأة وتحسين وضعها فمن الطريف ان تنتج الثقافة الغربية كتابا جديدا صدر بالانجليزية بعنوان: "السلطة" وتسعى فيه الكاتبة البريطانية ناعومي الدرمان للاجابة على السؤال :"ماذا سيحدث لو حكمت النساء العالم".

واستعانت الكاتبة بخيالها وتصوراتها الافتراضية أحيانا في سياق الاجابة فقد اثارت نقاشا جادا حول مصطلحات ذاع صيتها مثل "النسوية والأنثوية والنقد النسائي" بينما يظهر الجدل على صفحات الصحافة الثقافية الغربية حول هذا الكتاب الجديد أن قضايا المرأة مازالت تشكل هما للغرب وما يسمى بالشمال المتقدم.

وفيما جاء هذا الكتاب الجديد بخيال مؤلفته ليجعل الرجل هو "الآخر" بالنسبة للمرأة التي احكمت سيطرتها وسلطتها كما ابتكرت آلياتها للرد على اي عنف ذكوري فإن هذا الخيال لم يكن متحيزا تماما لحواء إذا اجتر احيانا لحظات من الحنين لعصر سادت فيه سلطة الرجل ثم تحول الحنين إلى سؤال جديد بعد ان أفضت السلطة النسائية لمأزق جديد للإنسانية التي تحتاج لرؤية رحبة لحل قضايا الرجال والنساء معا !.

وهذا هو المعنى الإنساني الذي تتبناه الكثير من الأصوات الثقافية في الغرب والشرق معا بينما تكون "ثقافة تمكين المرأة" جزءا من سعي مطلوب لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين الجميع بصرف النظر عن النوع أو اللون أو العرق.

وحتى على مستوى الفن ثمة مشاكل تواجهها المرأة في الغرب ومن ثم فقد دعت الممثلة البريطانية اليان اتاكينز زميلاتها الممثلات لابتكار أدوار جيدة لهن "عوضا عن التذمر من قلة وجود أدوار لهن في مجال التمثيل".

وفي محاضرة ألقتها مؤخرا بمقر الجمعية المصرية للقانون الدولي بعنوان "المرأة المصرية بين التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية" نوهت الدكتورة مايا مرسي بأن الدستور المصري ينص على تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية والمحلية وقد وصلت هذه النسبة بالفعل في مجلس النواب الحالي إلى 15 %.

ومع ذلك تمنت الدكتورة مايا مرسي المعنية بمكافحة كل اشكال التمييز ضد المرأة أن تتجاوز هذه النسبة أعلى المعدلات الدولية حاليا والتي لاتتجاوز ال30 في المائة ، فيما لفت مثقف مصري كبير وفقيه قانوني بارز ووزير سابق هو الدكتور مفيد شهاب رئيس الجمعية المصرية للقانون الدولي لأهمية أن تتحول القوانين المنصفة للمرأة الى "ثقافة" اي شعور او احساس عام لدى الجميع في اوجه الحياة اليومية.

ولمصر تاريخها العريق في الدفاع عن حقوق المرأة فيما أسس الاتحاد النسائي المصري عام 1923 وبرزت أسماء ناشطات وطنيات على هذا الصعيد مثل هدى شعراوي وصفية زغلول بينما تعد الدكتورة مايا مرسي التي انتخبت منذ نحو عام واحد كرئيس للمجلس القومي للمرأة من الخبراء على المستوى الدولي في مجال سياسات تمكين المرأة وشغلت عدة مناصب تتصل بهذا المجال في الأمم المتحدة فيما ركزت اطروحتها لنيل درجة الدكتوراه على "الأمن الانساني للمرأة العربية".

وكان المجلس القومي للمرأة قد عقد اجتماعا امس الأول "الاثنين" مع ممثلي "وحدات تكافؤ الفرص" بالوزارات المختلفة لاستعراض قانون الخدمة المدنية الجديد وبحث استعدادات تلك الوحدات- التي تسهم في حل المشكلات التي تتعرض لها المرأة العاملة- للاحتفال بعام المرأة.

وفي ختام الجلسة الأولى لمؤتمر الأمن الديمقراطي في زمن التطرف والعنف" الذي نظمته مؤخرا مكتبة الأسكندرية أبدت الدكتورة مشيرة خطاب المرشحة المصرية لقيادة منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة اهتماما حميدا بقضية المساواة بين الرجال والنساء جنبا إلى جنب مع ضرورة الاحترام المتبادل بين الشعوب والثقافات المختلفة.

وتقترب الذكرى السادسة لثورة الخامس والعشرين من يناير فان هناك حاجة ملحة لبحث ثقافي متعمق في مدى تأثير هذه الثورة على اوضاع النساء فيما شاركت المرأة المصرية بدور غير منكور في هذه الثورة وموجتها الثانية التصحيحية يوم الثلاثين من يونيو 2013.

وتتفق طروحات عديدة على أهمية دور المرأة في "دولة المواطنة" واي مشروح حداثي لمصر فضلا عن صورتها الذهنية في الخارج جنبا إلى جنب مع دورها الحيوي الأمومي "كحارس اصيل للمنظومة القيم المصرية".

ويتجاوز ذلك بكثير القضايا السطحية والهامشية التي درج البعض على آثارتها عند تناول أوضاع النساء وبنظرة لاتكاد تختلف في الجوهر عن "النظرة الاستشراقية للمرأة المصرية والعربية عموما" وهي فاعل أصيل في بناء المستقبل .

وفيما تبقى انتقاداتها اللاذعة للنظرة الغربية النمطية للمرأة العربية حاضرة في الذاكرة الثقافية العربية فقد رأت المثقفة المغربية الكبيرة وعالمة الاجتماع الراحلة فاطمة المرنيسي أن المرأة في الغرب المعاصر ايضا تعاني من الاستلاب و"العبودية المستترة".

وسعت فاطمة المرنيسي كعلم من أعلام "السوسيولوجيا العربية" وباحثة أصيلة جمعت مابين الكتابة النظرية والعمل الميداني للتذكير باسهامات أصيلة للحضارة العربية-الاسلامية على صعيد قضايا تحرير المرأة بقدر ماتدحض النظرة الاستشراقية.

وخلافا لهذه "الرؤية الاستشراقية" التى تجنح أحيانا نحو صور غرائبية لاتعبر بصدق عن الواقع فان طروحات وتعليقات نسائية مصرية تظهر بوضوح إدراكا اصيلا بأن قضايا المرأة هى قضايا الرجل داخل الوطن الواحد وأنه لامجال كبير للفصل التعسفى على اساس الذكورة والانوثة.

وتقول أستاذة الصحافة الدكتورة عواطف عبد الرحمن إن الدراسات والبحوث التي أجريت عن موقف وسائل الاتصال الجماهيري من قضايا الريف المصري تشير إلى أن وسائل الإعلام لاتولي الريف بسكانه وهمومه وأزماته سوى اهتمام هامشي.

وتضيف الدكتورة عواطف عبد الرحمن أن البحوث التي تناولت موقف الصحافة المصرية من قضايا المرأة والتنمية في الريف المصري كشفت عن الغياب شبه الكامل لقضايا وهموم المرأة الريفية إذ لم تتجاوز نسبة تناول قضاياها في الصحف اليومية 2,3 في المائة كما أكدت الدراسات ضعف اهتمام الاعلام المسموع والمرئي بقضايا المرأة الريفية اذ لم تتجاوز النسبة العامة 8,4 في المائة من اجمالي الاهتمام بقضايا المرأة المصرية.

وتطالب الأكاديمية المصرية بضرورة السعي لوضع استراتيجية قومية لتنمية الريف وتصحيح صورته الاعلامية وضرورة التواصل والتنسيق بين وسائل الإعلام ومراكز البحوث الاجتماعية والجامعات وكافة الهيئات المعنية بقضايا الريف برجاله ونسائه وأطفاله.

وإذا كانت الناقدة والروائية المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا ترى أن التساؤل عن معاناة المبدعة من احتكار الرجال لم يعد صالحا للواقع الابداعي الحالي ، معتبرة أن المبدعة المصرية والعربية عموما "تمكنت من فرض نفسها على الساحة" فلعل ذاكرة العالم مازالت تحتفظ بمشاهد دالة للحضور النسائى اللافت فى الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة لاختيار أعضاء مجلس النواب الحالي.

وبقدر مابرهن هذا الحضور المبهج في شهر نوفمبر عام 2015 على ماوقر فى الوجدان المصرى والعربى من أن "النساء شقائق الرجال" فقد شكل لحظة تاريخية فريدة فى بنية الثقافة السياسية المصرية فيما يبقى دالا على ممارسة المسؤولية الديمقراطية.

ولاتبدو هموم واهتمامات وتطلعات النساء فى مصر بعيدة أو منفصلة عن هموم واهتمامات وتطلعات الرجال على امتداد الوطن والشعور المشترك بالأولوية المطلقة لانعاش الاقتصاد وتلبية الاحتياجات الأساسية للأسرة المصرية فيما يتفق علماء السياسة على أن مدى مشاركة المرأة فى العملية الانتخابية تصويت وترشيح مرتبط بمستوى تطور المجتمع فى بنيته الاقتصادية والاجتماعية وبنيانه السياسى والثقافى.

والانتخابات فى حد ذاتها ليست غاية وإنما وسيلة ديمقراطية لخدمة مصر وإعلاء شأن الوطن وحل المشاكل الملحة مثل انخفاض معدلات الانتاج والبطالة والفقر والعشوائيات وكلها مشاكل تهم الرجل والمرأة.

وترى الدكتورة نوال السعداوي أن الديمقراطية ليست انتخابات فقط "بل هي الكرامة والحرية والمساواة للجميع والعدالة الحقيقية
أو القانون العادل الذي يطبق على الجميع دون تفرقة".

وتتردد من حين لآخر تساؤلات حول مواقف الإعلام حيال قضايا المرأة- ويذهب المعلقون إلى أنه لايجوز النظر لقضايا المرأة باعتبارها قضايا فئوية وداعين وسائل الاعلام للمساعدة فى تغيير الثقافة المجتمعية السائدة وتعبئة الرأى العام لمساندة قضايا المرأة التى هى جزء من قضايا المجتمع.

ومع ذلك فمن الطريف ان تلاحظ الدكتورة نوال السعداوي ان " زوجات اغلب الكتاب والمفكرين غائبات عن الحياة الفكرية والثقافية، متفرغات لأعمال البيت والعيال" فكان توفيق الحكيم رغم تفوقه الابداعي والفكري رائدا في السخرية من المرأة المفكرة ذات العقل والذكاء التي تناقش وتجادل في الفلسفة او السياسة".

وتنتصر الدكتورة نوال السعداوي "للمرأة الذكية ذات العقل المبدع" فانها تستدعي قصة طريفة ودالة من ايام طفولتها وتقول:" شهدت في طفولتي الجدل بين أبي وأمي ولم أسمعه يرفع صوته بل يواصل الحوار معها بهدوء ويطلب منا نحن الأطفال ان نشارك بالرأي ويضطر احيانا لأخذ الأصوات ، وإن جاءت الأغلبية مع امي يرفع يديه مسلما برأيها و تنهزم امي حين نعطي أصواتنا لأبي فتنتفخ أوداجه كالديك الرومي ونضحك".

وقالت إن الجدل والنقاش في طفولتي تميز بالحرية والسرور والاحترام والحب ولذة التفكير وتفنيد الآراء المختلفة ولم يكن لقوة في العالم أن تفرض الطاعة على أمي دون ان يقتنع عقلها اما انا فقد عانيت الكثير في المدارس من عنف المدرسين الذين توقعوا مني الطاعة العمياء وازدادت معاناتي كلما كبرت وكان عقلي يكبر معي بالقراءة والبحث والسفر والعلم".

واذا كانت المرأة المصرية قد نهضت بدور هام فى ثورة 25 يناير وموجتها الثانية في الثلاثين من يونيو فانها مدعوة شأنها شأن كل مكونات المجتمع المصرى للقيام بدور لايقل أهمية فى بناء مجتمع جديد ببنية ثقافية-اجتماعية مواتية للتقدم فى سياق معطيات القرن الحادى والعشرين.. مجتمع للسعادة والحرية والاستنارة والكرامة والتقدم والجمال..وهنا فليقل كل مصري ومصرية :"إني هنا" !..فسلام على مصر بنسائها ورجالها وتحية لبسالة الأرض الطيبة والأم الطيبة.