الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الطلاق بشهود .. وحتمية الانفتاح المذهبي .. لعرقلة السفه ..!


في تسعينيات القرن العشرين .. وتحديدا عام 1991 م غرقت العبارة سالم اكسبرس بعد اصطدامها بالشعاب المرجانية وغرق على أثرها المئات ممن سقطوا وسط الأهوال في بطن اليم ...

توقف يومها المشهد أمام قلق مصري لم تسعفه التشريعات حين توافد أهالي الضحايا من جميع أنحاء مصر مطالبين شركة التأمين بدفع التعويضات ... يومها استطاع محامي الشركة المالكة للعبارة أن يستغل سطور الفقه للانتصار لموكله في مواجهة أهالي الضحايا عندما استند إلى فقه أبي حنيفة الذى لا يعتبر المفقود ميتا إلا بعد 60 سنه وهنا على أهالي الضحايا انتظار أبنائهم المفقودين على الشواطئ المترنحة بالأسى حتى تنقضي 60 سنه ليصبحوا بحكم الموتى ...

أحيلت الواقعة لمجلس الشعب للبحث عن مخرج فقهي لا يصطدم بالدستور ...

وهنا ينقل لنا الحادثة بحذافيرها في كتابه (دفاعا عن العقل 27 – 28) الدكتور خالد منتصر نقلا عن الشخصية الشيعية المصرية المعروفة - المستشار الدمرداش العقالي - رئيس محكمة الاستئناف السابق في سابقة بالاستعانة بالفقه الجعفري في مصر! ..

وهو الفقه الذى يحمل اسم صاحب المذهب الإمام جعفر الصادق الذى تتلمذ على يديه أبو حنيفة ومالك ومنهم نقلوا لمن أخذ العلم منهم ..! ليصبح الرجوع للأصول فضيلة علينا المضي نحوها وترك الشغب السلفي حولها...

يقول الدمرداش «كنت عضوا في مجلس الشعب المصري وقت ان غرقت العبارة «سالم اكسبرس» وهلك في الحادث قرابة 1200 نفس، اذ انتشلوا من البحر 500 جثة ولم تُتنشل 700 جثة ، واصبحت في حكم المفقود، وصار لزاما على الشركة المالكة للباخرة دفع التأمين لورثة الركاب ، وتوافد الناس من كل انحاء مصر لأخذ التعويضات..

وقبل أن تصرف الشركة التعويض تنبه أحد محامي الشركة وقال : حسب مذهب أبي حنيفة ، المفقود لا يعتبر ميتا حتى تمضي عليه مدة قدرها ستون عاما !.

ولم يرق لرجال القانون في مصر حكم أبي حنيفة ، فأخذوا يبحثون عن فقيه آخر يخرجهم من هذا المطب ، ففي فقه أحمد بن حنبل حكم المفقود 15 سنة ، وابن تيمية أنقص المدة الى خمس سنوات ، وطلب محامي الشركة الانتظار خمس سنوات ، فتظاهر الناس أمام المجلس..".

ويضيف الدمرداش: « وكُلف مفتي مصر الشيخ محمد سيد طنطاوي بإيجاد منفذ للخروج من هذا المأزق ، فجاءني بعد الفجر في بيتي وقال لي : ألا يوجد عندك حل ؟ فدعوته لقراءة « فقه المذاهب الخمسة »، وطالعنا مسألة المفقود، فقرأ بنفسه عن الامام الصادق أن المفقود إذا فُقد في حال لا تُتصور معها بقاء الحياة ، عُد ميتا ولو بعد ساعة ، كأن يكون قد دخل في النهر ولم يخرج ، أو ابتلعه حوت فلم يخرج ، أخذ المفتي نفسا عميقا وقال: والله هذا الكلام المعقول وسأكتب فتوى بهذا المعنى ، ستُقرأ على أعضاء مجلس الشعب ، وفوجئت بأنه كتب الفتوى، وقال فيها : يقول بعض أهل العلم !

فلما تُليت الفتوى في مجلس الشعب وفيها كلمة «يقول بعض أهل العلم»، اعترض وزير الاوقاف السابق، فوقف يقول: من أين جاء المفتي بهذا الكلام ؟
هذا كلام ليس له أساس ، أين أهل العلم هؤلاء ؟
فإذا برئيس المجلس يُنطقه الله ويقول للأعضاء: فضيلة المفتي واسع الاطلاع ، لابد وأنه اطلع على رأي الشيعة الامامية ».

اليوم نجد أنفسنا حيال دعوة الرئيس السيسي بضرورة تقييد الطلاق ليكون أمام المأذون وبوجود شهود على ذلك... ليصبح الخروج من الميثاق الغليظ ( عقد الزواج ) بنفس آليات الدخول إليه حتى لا يُترك لعبث الألفاظ وتشنجات المراهقات الرخيصة وما يترتب عليها من تشريد الأسر ونفوق الأمان من المجتمع ورفده بأجيال مريضه نفسيا مشردة بشوارعنا لأسر مشتتة بسبب غموض يعتري فقه فقد المسئولية تجاه المستقبل ...!

هنا نجد أنفسنا مرة أخرى بحضن الفقه الشيعي الإمامي الذى أسسه أئمة أهل البيت النبوي وحمل اسم الإمام جعفر الصادق أول من وضع قواعده وضبط منطلقاته ثم تم رفده بعد ذلك بأقوال وتفاسير وتخريجات باقي الأئمة من ولده ..

وهو الأمر الذى نفطن له الآن بينما هو معمول به إسلاميا في مذهب آل البيت منذ نشأته حيث يشترط في صحة الطلاق أن يكون ايقاعه بحضور شاهدين ذوي عدل من الرجال يسمعان الصيغة فلا يصح الطلاق من غير اشهاد أو باشهاد غير عدول أو باشهاد عدل واحد، ولا يكفي أن ينشئ صيغة الطلاق من غير حضور بينة، ... نفس المنطق الذى يراه الرئيس حافظا للأسر حاميا للأمان الاجتماعي ...حيث يقرر المذهب الإسلامي الجعفري .. فيما يخص أحكام الطلاق أن الزواج قوة ومتانة لا يزيلها الظن والاحتمال... وأنه لا يقع الطلاق إلاّ بالصيغة الخاصة الدالة على تعيين المطلقة والمشتملة على لفظ ( طالق ) كأن يقول الزوج مثلًا ( زوجتي فلانة طالق ) أو يخاطب زوجته ويقول ( أنتِ طالق ) ويشترط في صحة الطلاق إيقاعه بمحضر عدلين ذكرين مجتمعين يسمعان الإنشاء."

هذا التقييد قد سبق به كما نرى المذهب الإسلامي الشيعي منذ نشأته في صدر الإسلام ..
ولكن نتيجة للبث التشويهي الذى لا يتوقف من قِبل الجماعات السلفية المدربة على إثاره الفتن وإتقان التدليس حُرم العالم الإسلامي من الاطلاع والانتفاع بالانفتاح على الفقه الآخر وأصبح لا يذهب إليه إلا مضطرا أو بعدما تقف أمامه معضلةه اجتماعية أو فكرية فيبدأ في بحث جديد هو عند الأخر قد قتل تمحيصا وذكرا ...

اليوم في عالم تتلاقح فيه الأفكار وقد أصبح بمثابة القرية الصغيرة تنتقل بين شوارعها الموجات الفكرية لم يعد مقبولا ولا معقولا غلق الباب الإسلامي وسد حوارينا بمتاريس الفتن السلفية ..

وعلى العالم الإسلامي السني أن ينفتح على كل الفكر الإسلامي الأخر وهو ثمين في عطائه الاجتماعي ومبتكر في أدواته البحثية ويعتبر بابا عظيما لتوثيق المعارف وكف المعارك امتثالا لكلام الله .. خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا .. فما بال شرقنا الذى هو شعب واحد وقبيلة واحدة وقد قطعت بهم السلفية بفتنها السبل وتركتهم صرعى في كل ناحية .؟

والعجيب أن الأزهر وهيئاته، لم يرَ المعضلة ويذهب للبحث لها عن مخارج شرعية مقبولة إلا بعدما طالب الرئيس بذلك حماية للأسر واستقرارها ليعلن محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن لجنة البحوث الفقهية في مجمع البحوث الإسلامية، ستناقش توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسي باستحداث تشريع خاص بالطلاق يجعل الطلاق لا يتم إلا أمام مأذون؛ وذلك حرصًا منه على الأسرة المصرية في ضوء ارتفاع نسب الطلاق خلال الأعوام الأخيرة.

متى نتحرك بتوجيه من الواجب الديني والاجتماعي ونترك القيادة السياسية متفرغة لملفاتها المثقلة بالأزمات في كل اتجاه ..

متى ندرك أن حتمية الانفتاح المذهبي والذهني أضحت ضرورة لعرقلة السفه قبل أن تغرق عبّارتنا مرة ثانية.؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط