الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الترامبية تعني صعود وزوال نجم بعض الدول


يخطئ من يعتقد أنَّ الرئيس الامريكي يأتي وينجح عبر الانتخابات، وكذلك يخسرها ويترك منصبه للفائز وأن كل ذلك يتم عبر صناديق الاقتراع أو أصوات الناخبين، وكأن أمريكا دولة تدار بشكل ديمقراطي والرأي الآخر محل احترام بالرغم من وجودها على الصعد الدنيا فقط، لكن في مراكز اتخاذ القرار لا يمكن تأكيد ذلك البتة، إذ يتم تحضير الرئيس الامريكي قبل موعد الانتخابات بفترة ليست بالقصيرة من قِبل مراكز اتخاذ القرار والتي تتخذ إمكنتها في الغرف المظلمة أو ما يمكن تسميته الدولة العميقة، التي تعتبر المسؤولة عن التخطيط المستقبلي ووضع البرامج والاهداف الاستراتيجية وما على الرئيس المنتخب سوى تنفيذ هذه الأهداف وكل حسب دوره الممنوح له على مسرح البيت الابيض.

كلنا تابعنا عملية الانتخابات الامريكية الاخيرة وكيف كان الاعلام هو الموجه الوحيد في تحديد الفائز بالرغم من التوقعات التي كانت تصدر من هنا أو هناك بصدد فوز كلينتون، إلا أن الكلمة الفصل في النهاية ستكون ليست لعميلة الانتخابات بقدر ما تكون للمتحكمين بالمخططات والأهداف التي يرسمونها في تلك الغرف المظلمة، فاز ترامب قالبًا كافة التوقعات رأسًا على عقب التي كانت ترجح فوز السيدة هيلري كلينتون، وبذلك يكون الذي فاز هو الدولة العميقة وما لديها من أهداف تعمل على تنفيذها عبر الناطق باسمها المسمى ترامب.

ترامب بشخصيته المثيرة للجدل وأسلوبه الفريد في التعامل مع الآخر وكأنه يمثل دوره الحقيقي في حلبة المصارعة يعمل بصفته رئيسًا لأعظم دولة في العالم، وكأنه يقول لنا "أن العالم أصبح قرية صغيرة وهذه القرية تجسدت في حلبة الصارعة" وأن البقاء فيها سيكون للأقوى، وهذا ما يأخذنا ويقودنا نحو الداروينية بكل تجلياتها وتجاربها المخبرية والغابوية.

أجل، ترامب يعتبر الممثل الحقيقي للداروينية والتي لا تقبل بالضعيف أبدًا خاصة أن المنطقة تشتعل في كل مكان وبكل عنفوانها وضمن أتون اللهيب هذا لا مكان للضعفاء والمترددين وأصحاب النظريات القرنعشرينية التي عفا عنها الزمن، على أساس أننا نعيش في القرن الحادي والعشرون وهذا ما يلزمه أشخاص مختلفين بعض الشيء والذين يتلائمون مع مقتضيات القرن ويوائمون ذاتهم وفقه.

ذهب أوباما الرجل الأسود الذي تم تقليده جائزة نوبل للسلام والرجل الوسيم الذي كان يدعوا للسلام وكأنه الوجه الملائكي للعالم، رحل بعد أن أشعل المنطقة وشتتها ورش بذور الحرب الطائفية والمذهبية والعرقية في ليبيا وسوريا وتابعها في العراق وكذلك اليمن وباع الاسلحة بآلاف المليارات وقضى على التضخم والبطالة في الدول المصنعة للاسلحة وقسم شعوب المنطقة بين هذا الطرف أو القطب أو المحور(روسيا، ايران، الصين، حزب الله، العراق) وذاك الطرف أو القطب أو المحور (تركيا، السعودية، قطر، امريكا وأوروبا).

ودفع الرجل الأسود أوباما في ظهور بعض الدول وكأنها النموذج الديمقراطي والساعي لتغيير الديكتاتوريين والاستبداديين في المنطقة وكان لتركيا والسعودية وقطر الكلمة الأولى في كل ما حدث في المنطقة في عهد الأوبامية رجل جائزة نوبل للسلام.

إذا كان صاحب الجائزة النوبلية قام بكل ذلك من خراب ودمار وحروب وإشعال فتيل ما سمي بالربيع العربي الذي تحول لشتاء قارص على شعوب المنطقة، فما بالنا بالرئيس الجديد الذي أتى من خلفية حلبة المصارعة التي لا تؤمن إلا بأمر واحد فقط لا غير وهو القضاء على الخصم مهما كانت النتائج بعد تكسير العظام عبر مشاهد لا يمكن وصفها باللعبة الاخلاقية والتي هي في الحقيقة لعبة من يمتلك الغرائز الحيوانية التي لا تعرف معنى الرحمة ولا تعير أي أهمية حتى للمشاهدين والجمهور.

ولجنا المرحلة الترامبية في القرن الحادي والعشرون ونعلم أننا سنعيش حالة من الغليان أكثر وكذلك الحروب والدمار والقتل وتغيير التحالفات من جديد ليبدأ الفصل الثاني من مسرحية الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، والذي نحن فيه لسنا سوى مصفقين أو مهللين أو حزينين، وكل هذا لا يهم، بل المهم هو ما كتبه المؤلف وما يقوم به المخرج كي يلعب كل واحد دوره حسب ما هو مكتوب أو مرسوم له.

سيزول نجم بعض من الدول التي كانت تطبل وتزمر وكأن الدنيا كانت لها والمصيبة الكبرى أن هذه الدول كان مقتنعة ومصدقة بأنها صاحبة الفيلم ولها الكلمة العليا في كل ما تريد، لكن مع الأسف أدركت ولكن بعد فوات الآوان أنها لم تكن سوى كومبارس ولاعب له دوره في هذه المسرحية وأنه جاء الوقت كي ينتهي دورها وتنزل عن خشبة المسرح وتزول هي وعنترياتها، سيزول نجم تركيا ورئيسها أردوغان وكذلك سيخفو دور السعودية في المنطقة لأنها دخلت في مستنقع اليمن وسوف تحبو لإرضاء مصر بعد فصول من حالات المد والجذر في العلاقات.

ولكن بنفس الوقت سيظهر ويعلو نجم دول أخرى في المنطقة وأهمها مصر والاردن وبعض القوى الصاعدة وخاصة الكرد لما لعبوه من دور مهم في محاربة الارهاب، لتقود المرحلة بأساليب معتدلة بعيدة عن العنجهية والعنتريات الاردوغانية، بل سيكون المنطق هو السيد في المرحلة المقبلة لظهور تحالفات جديدة يقود المنطقة،
إنها المرحلة الترامبية والتي يبقى فيها السؤال المهم هو، إلى أين؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط