الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لبني إبراهيم تكتب: أرض الأحلام بين الأمس واليوم

صدى البلد

توقفت بي الذكريات إلى بعض من أشلاء الماضي البعيد، عندما كنت طفلة بريئة الملامح، جميلة القلب، نقية السريرة، مبعثرة المشاعر... كانت رغباتي لا تتعدى الإستحواذ على دمية صغيرة أو قطعة من الحلوى أو فستان مزركش الألوان ...
كان كل همي في الحياة اللهو والمرح مع أترابي أو بدميتي التي بإختفاءها تلاشت كل آمالي البسيطة. ثم ترعرعت شيئا فشيئا وبدأت تلك المشاعر المتناثرة هنا وهناك تؤسس لميلاد فتاة مختلفة عن الأمس، تصغي إلى موسيقى الحياة بتمعن، ولم تعد تلك الآمال منحصرة في إمتلاك لعبة يتيمة بل أصبحت تتعداها إلى عالم من الأحلام المتجددة والأفكار اللامتناهية، والمتأرجحة بين الألم والسعادة تارة والدمعة والإبتسامة تارة أخرى.
ومنذ ذلك الحين أصبحت تراودني أسئلة كثيرة؛ هل نضجت حقا بهذه السرعة أم أن إدراكي للحياة ولوجودي أصبح أعمق من قبل؟ ؟؟ فعلا لقد بت في تساؤل دائم مع نفسي ألتمس إجابات لما يخالجني بين الفينة والأخرى . لماذا يتطور شعور الإنسان فجأة من لاشيء إلى ماهو أعمق وأشمل؟ ؟؟ هل هو التطور العمري للجسد أم هي النظرة الجديدة للحياة؟؟
لماذا لا يتمسك كل منا بما منحته الحياة من جمال النفس، بمبدأ التعايش السلمي مع الآخر، بالمعاني السامية التى تسمو بالحياة من مجرد التواجد البشري إلى التآلف والإستمرار الخارق للعادة بين الإنسان وأخيه الإنسان ؟؟ لماذا جعلنا مشاعرنا مطية للزيف والخداع، أين نحن من مبادئ المدينة الفاضلة، لماذا نشتاق للعيش فيها وعلى أسسها ولانسعى للتمسك بقيمها ونعمل بغير وعي منا على دحض كل ماتبقى من آثارها؟؟
وتمضي بنا الحياة بنفس الوتيرة وعلى نفس الوتيرة ويسرقنا الزمن إلى مالا نهاية له من التفكير ، في ماذا ؟؟ لست أدري!! لماذا نتغير بهذه السرعة؛ من أناس ذوي أخلاق جميلة، كائنات مبدعة، مرهفة الأحاسيس، إلى مجرد شخصيات ذوات رغبات تعيش فقط من أجل الإستمرار في الحياة، العيش لأجل حياة" الجسد" بلغة "فرويد"لا الوجود بلغة"أفلاطون".هل أصبحت المادة تسيطر على المبادئ؟ هل تلاشت أسس المدينة الفاضلة ؟؟ لقد تيقنت بادئ الأمر أن الموضوع لايتعدى البقعة الجغرافية التي أعيش فيها ولكن أدركت مؤخرا أن" المادة" أصبحت الهوس الذي يغلب على كل طموحاتنا إن لم أقل آمالنا الواسعة في الحياة.
وتشابهت رغباتنا التي كانت من المفروض الميزة الوحيدة التي تجعل من البشر شخصيات مختلفة بالفطرة فيما بينها وعن بعضها البعض. حتى علاقاتنا، صداقاتنا ، تعاملاتنا مع الآخرين أصبحت تتحدد على حسب مكانتهم في الحياة ، وتتوقف على مقدار ما يكتنزون من الذهب و الفضة. وألفينا أنفسنا نختار شركاءنا سواء في البيت، في العمل، في الشارع وفي الحياة عموما على حسب مايمتلكون من رصيد مالي. ومافتىء حب "المادة" أو بلغة المال حب الدراهم ينمو ويكبر حتى بات يستحوذ على القدر الأكبر من إهتماماتنا اليومية، وكيف لا وقد أصبحنا في زمن كل شيء فيه يقاس بمكيال واحد آلا وهو"النقود".فلا تبتأس ياهذا إن وضعت الحياة في طريقك الثراء ، فلعمري إنك لمناسب لتبوإ الصدارة في كل مجالات الحياة، ولكأني بك الأجدر بأن تكون؛ نعم الصديق، الزوج المقتدر، الموظف المحظوظ والجار المترف ....
إلى غير ذلك من أبواب الحياة المفتوحة على مصراعيها. نعم لقد أدركت اليوم أكثر لماذا لم نعد نعبأ بعالم المثل الأفلاطونية ، عالم الجمال، عالم الكمال لأننا منحنا مشاعرنا إلى ماهو زائل، وباتت أمانينا في بناء المدينة الفاضلة حلما لم نبلغه ولن يطاله إلا خيالنا.فاليوم نتحدث عن إندثار المشاعر الصادقة والقيم النبيلة التي من شأنها أن تؤسس لحياة أفضل في ظل مجتمع راق يحمل الخير والحب لبنيه، وفسح المجال أمام فوضى اللاأخلاق، وطويت صفحة المثل الأعلى ولم تعد سوى مجرد سطور بالية في كتاب الدهر الغابر. وإن تجاذبنا أطراف الحديث عن حالي وحالك اليوم ، فإني سأكتفي فقط بقول ماهو آت؛ لقد أصبحنا في سباق لانهاية له مع الزمن حتى نبلغ أدنى درجة من السلم الإجتماعي في الحياة آلا وهي مدى "قدرتنا"على توفير رغيف خبز بال لايسد الأفواه الفاغرة ولا يشبع البطون الخاوية. وبهذا لم أعد أختلف عنك أيها الإنسان لأن الواو التي بيني وبينك لوالله قد إنصهرت في عالم البنوك.