الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مارتينا مدحت تكتب : "أن أخبرك"

صدى البلد

أن أخبرك أن هذه الحياة لا تسير على ما يُرام متى أردنا منها ذلك ولا تطيب لمن لا يبالى كما أخبرونا، وقد تقسو بدرجة غريبة وغير متوقعة، تكاد تبعدك عن نفسك أميالًا؛ أن أخبرك أنه لا مجال للاحتدام أو للاقتتال فنحن لم نطلب يومًا أكثر من تنحية دفاعاتنا جانبًا والاستراحة ولو قليلًا من كل هذه الأشياء التى اعتدناها، وكل ما فقد ضَيُه وحاولنا إحياءه لكنه أبَى، وكل هذه البدايات غير المجدية، والنهايات غير المجهولة، وهذه الأحداث الصامتة والأيام المتشابهة ووتيرة الزمن الجامدة وكل ما ألفناه ولم نجد بعد راحتنا فيه.

أن أخبرك أن هذا الخوف الذى ينخُر فى جدار الروح، يُضعِفُه ولا يترك مجالًا إلا لاتخاذ وضع الدفاع الدائم، وكم كرهت هذه الحالة الدفاعية ! وكم لعنت خوفى الذى فقدت السيطرة عليه، كنت أعلم أن الضيق عندما يملأ جوف النفس يملأ أيضا ما حولها وأن تشخيص الحالة لا يعنى بالضرورة القدرة على علاجها.

وأدركت أيضا فيما بعد، أنه فى سبيل السعى للعلاج، شفاء، لازلت أؤمن أن الأشياء لا تسقط عبثًا حتى تتحول إلى حُطام، بل تسقط حتى يقع كل منها فى المكان المُقَّدر له، وأن المرض لم يُخلق إلا ليُشفى والضيق لم يُخلق إلا ليُفرج والحب لم يُخلق إلا ليدوم، وأنت لم تُخلق إلا " لتكن فرحًا " وبين النقيضين يكون الشفاء .

على نحو أدق، فى يوم ما، سيبتعد كل ما لا يستحق البقاء ويقترب كل ما يعوض ما مضى، سنصبح أكثر قدرة على تقبل الشتات الذى لا يمكننا جمعه، أكثر دراية بأنفسنا وتحكمًا بخوفنا، أكثر حكمة وأكثر لطفًا، سنستطيع أن نثق ثانية بالرغم من تكرار الخذلان، أن نُنَحى دفاعاتنا جانبًا ونستريح قليلًا، أن ننظر لأنفسنا عن كثب ونتأكد أن بداخلنا الكثير من الأشياء التى لم يتم اكتشافها بعد .

أن أخبرك أخيرًا أنه – وبالرغم من كل ما يحدث وما سيحدث – بداخلى يقين أن هذه الحياة أبسط من تعقيداتنا، وهذه الطرق التى نخشاها لن تسلبنا حريتنا كما نظن، وأن هذا العُمر أقصر من تأجيلاتنا وهذه التجارب ليس غايتها الهرب منها بل بالأحرى أن تعاش بكل ما لها من تفاصيل، وهذا القلب آن أوانه ليُحرث وإزالة ما عَلَق به من بقايا زهور ذابلة، وبداية زراعته بورود تصبح ذات يوم جاهزة للحصاد.

وأن ليس كل الضعف عيبا وليس كل الشدة ضعفا، لا يزال هناك متسع للحياة ..