الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حينما يكون المسيحيون ضحية التقسيم الأول والتجزؤ الثاني


الحرب العالمية الثالثة المصغرة التي تعيشها المنطقة في راهننا أفرزت الكثير من المستجدات والتطورات على الساحة المحلية والاقليمية والدولية، خاصة أن هذه الحروب قد خرجت من أيدي أهلها وباتت في أيدي الاعبين الاقليميين والدوليين، وهذا ما يحتم أن تكون كافة مكونات المنطقة عرضة لخطر كبير يحدق بها.

اللعب على الوتر العرقي والمذهبي والأقليات هو السلاح الفعَّال لتمرير أي مشروع في المنطقة، خاصة أن القائمين على هذا المشروع يدركون جيدًا أنه لا يمكن لهم أن يتغلغلوا في المنطقة تحت أية ذريعة أخرى. لذا، يمكننا القول أن مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد تكمن آلية تنفيذه في محور التلاعب بمشاعر الاقليات والمذاهب التي عانت الكثير من الاهمال والغبن في ظل النظم الحاكمة والسائدة في المنطقة. علمًا أن هذا الوضع هو الوريث الشرعي لسياسات الدول الغربية على المنطقة بعد التقسيم الأول للمنطقة إبان فترة ما قبل وبعد الحرب العالمية الأولى وما تمخض عنها من مؤتمرات ومعاهدات شهدت بموجبها المنطقة معاهدة سايكس بيكو السيئة الصيت التي كانت السبب الأول لما نعانيه اليوم من حالة التشرذم والتفتت التي طالت الانسان والدول وكل ما في المنطقة.
قراءة التاريخ شيء وفهم ما حصل وكيف حصل ولماذا حصل شيء آخر. معظمنا يقرأ كتب ووثائق التاريخ وما دار فيها من ألاعيب تم تمريرها وفرضها على المنطقة. فكّرت وخططت لها القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى بحثًا عن سوق تصريف منتوجاتها وكذلك السيطرة على المواد الخام والبترول وبالنتيجة الخروج من الأزمة المالية التي دخلت فيها، وكان ذلك على حساب شعوب المنطقة الذين كانوا ضحية لإشباع نزوات وجشع الدول الرأسمالية الغربية في تقسيم المنطقة والسيطرة عليها وما تلى ذلك من حرب عالمية ثانية لتكريس هذا التقسيم ولتعلن الدول المنتصرة أنها هي سيدة هذا العالم وما على الآخر سوى الطاعة والخنوع. وكان لها ما تريد عن طريق الأدوات التي ذرعتها على سدة الحكم وعلى رقاب الشعوب في الوقت عينه.
كافة شعوب المنطقة كانت ضحية هذا التقسيم الذي تم الترويج له على أنه من المقدسات وذلك على اساس بناء الدول القوموية وتم إقناع الشعوب بأن الدولة القوموية هي آخر ما توصلت إليه نظرياتهم الوضعية العلمانوية وعلى أنها الفردوس الذي من خلاله ستتنشق الشعوب الحرية والكرامة والسيادة وحكم الشعب نفسه وبنفسه. وكانت الطامة الكبرى وما زالت في أننا نقدس المصطلحات أكثر من تقديسنا للانسان وهو ما نعيشه الآن. نقدس الوطن ونضحي بخيرة الشباب من أجله وبنفس الوقت ندفع ما جمعناه من عرق الجبين من أجل الهروب منه نحو الدول التي من قسمتنا. نلعن معاهدة سايكس بيكو في كل مناسبة لذكراها على أنها هي من قمست الجسم الواحد وبنفس الوقت نضحي بنفسنا من أجل تثبيت وتكريس هذا التقسيم تحت مسمى الحدود المقدسة والدولة المقدسة، ثنائية الانتماء النفسي هذه جعلت منا نتخبط فيما نريده وإلى أين نحن متجهين.
كان التقسيم الأول ولعبت فيه القوى الغربية على الاقليات من أجل اشعال الحروب بينهم وبين العثمانيين ولتكون النتيجة تقسيم الرجل المريض لدويلات، وكان الكرد والمسيحيون هم الضحية الأكبر في ذلك، حيث تم وعدهم بانشاء وطن قومي لهم على غرار الدول التي تم انشاؤها وبنفس الوقت الذي كانت تدعمهم وتقدم لهم الاسلحة لمحاربة العثمانيين، كانت من جهة أخرى تحرض العثمانيين على ضربهم وفي المحصلة لم يحصلوا لا على وطن قومي ولا شيء، بل جُلَّ ما حصلوا عليه هو المجازر الجماعية بحقهم وتهجيرهم وفرض الصهر الثقافي والدموي عليهم وكل ذلك تحت مسمى أنهم أي الكرد والمسيحيين هم من "الكفار" تم وصفهم من قبل العثمانيين ومشت اللعبة عليهم.
كم هو مؤسف أن يكرر التاريخ ذاته وبنفس القوى ولكن بأدوات أخرى شبيهة وهي الجماعات الارهابية المدعية للاسلام الذي هو بريء منها. نفس السيناريو الآن يتم تسييره على الأخوة المسيحيين والكرد في العراق وسوريا والاقباط في مصر وغيرها من البلدان، يتم قتلهم بدم بارد من قبل الجماعات الارهابية تحت مسمى أنهم كفرة وتهجيرهم على أنهم غير مرحب بهم وعليهم الرحيل نحو الغرب، وهذا ما تعمل عليه الجماعات الارهابية وبعض الجهات التي لها مصلحة في ذلك لتمرير مشاريعها التجزيئية في المنطقة كما حصل في بدايات القرن العشرين. يعمل الارهابيين ومن يدعمهم على تجزئة المقسم في المنطقة بجعل المسيحيين الضحية نفسها لتمرير مخططهم هذا. ولكن المستهدف بنفس الوقت هو كافة الشعوب وليس المسيحيين لوحدهم. إذ، لم يسلم العرب والكرد والمسيحيين والاقباط وغيرهم من وحشية الارهاب. الكل مستهدف وهو ما يختبىء خلفه مشروع الشرق الأوسط الجديد في أن "الكل يقتل الكل".

لكن أخوة الشعوب والتاريخ والمصير المشترك لكافة شعوب المنطقة ستكون السد المنيع على الارهابيين في الوصول لأهدافهم في زرع فتيل الفتنة بين الشعوب، وأن احتضان الشعوب لبعضهم البعض افرغ مشروع الارهابيين من جوهره وأن الشعوب ستقف كتفًا بكتف ويدًا بيد لمحاربة ظلامهم ومحاولاتهم البائسة هذه مع جيشهم الوطني الذي يحمي الشعب وسيكون شعارهم "الكل مع الكل".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط