الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإمام .. وكتاب التراث والتجديد


منذ فجر تاريخ الأزهر وعبر العصور والأزمان والأزهر الشريف يقف كالصَّخرة الشامخة الشمَّاء التي تتكسَّر عليها دعوات المناوئين لوسطيته التي ملأت الآفاق ولا تزال، وهذ واضح في تراثه وعقول أبنائه.

يزعم البعض أن الإمام الأكبر شيخ الأزهر، لم يسع إلى التجديد عندما صار شيخًا للأزهر، مستشهدًين بقول الإمام في اختتام كتابه: «التراث والتجديد»: «لا ننكر أننا في حاجة إلى التجديد».

وهذه دعوى لا أساس لها من الصحة، كما تنمُّ عن عدم فهم ودراية بما كتبه الإمام في هذا المضمار وما يكتبه دومًا وينادي به؛ ففضيلة الإمام قد عرض لاتجاهات التجديد في التراث وناقشها مناقشة علمية رصينة، ثم انتقل إلى الحديث عن التراث القديم وأثره في حياتنا المعاصرة، مصحِّحًا المفاهيم المغلوطة، كاشفًا عوار الدَّعاوى المغرضة التي تريد النَّيل من التراث وثوابته، ومفنِّدًا لها بالحُجَّة والدليل، وفي نهاية الكتاب لخَّص الإمام الأكبر وجهة نظر فضيلته في نقاط محدَّدة، أبرز فيها البون الشاسع بين التجديد الذي هو حفاظ على الأصول وإضافة إليها، والتغيير الذي هو هدم وتبديد لثوابت الدين ومقرَّراته تحت مسمى ودعوى «التجديد».

فالتجديد بالمعنى الأول هو الذي قرَّره فضيلة الإمام في ختام كتابه؛ حيث قال: «لا ننكر أننا في حاجة إلى التجديد، بل مشكلتنا الأم هي غيبة التجديد، لكن شريطة الوضوح والفصل بين مجال الثوابت والمتغيرات، والتفرقة الحاسمة بين أصول الدين وتراث أصول الدين، ومن المؤسف حقًّا أن نقرر أن ارتباط جماهيرنا بالتراث مقصور على مجال العبادات، بينما يختفي هذا الارتباط -أو يكاد- في مجال العمليات والاجتماعيات، وأنه لا يزال أمام دعاة المسلمين من أولي الفهم والوعي الكثير مما هو مطلوب لربط المسلم بتراثه في هذا المجال...».

لابد من الإشارة إلى أن هناك بحثًا علميًّا منشورًا لفضيلة الإمام بعنوان: «ضرورة التجديد» ألقاه بالمؤتمر العالمي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة، في الفترة من 31 من مايو – 3 من يونيو سنة 2001م، أوضح في برنامج «الإمام الطيب» الذي كانت تقدِّمه قناة سي بي سي في شهر رمضان- أن التجديد في الدين أمر ضروري لا يستطيعه فرد بعينه، بل يحتاج إلى مجامع فقهية وتعاون من الجميع ممن لهم صلة بهذا.

وقد عُقدت العديد من الندوات والمؤتمرات في عهده، حول هذا الشأن، منها المؤتمر الدولي الأول لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بجامعة الأزهر، الذي هو بعنوان: «تجديد الخطاب الديني بين دقة الفهم وتصحيح المفاهيم» المنعقد يوم الأربعاء، الموافق الرابع عشر من شهر مارس 2017م.

وعليه، فقد تبيَّن التجديد في نظر الإمام الطيب، ومساعيه الحميدة كي يشيَّد صرحه، فلماذا ينكَّره البعض، ونتساءل ما التجديد الذي يقصدونه، هل هو التجديد الذي يحافظ على الأصول والثوابت، أم التبديد والتغيير؟!

وهذا هو لُبُّ القضية؛ فالبعض يتبنَّى هذا الفكر الغريب على ثقافتنا الإسلامية، ويلبسه لباسًا مزيَّفًا تحت دعوى «التجديد»، ثم ينتقد فضيلة الإمام أنه لم يسع إلى التجديد، مع أنه لو قرأ كتاب الإمام وفهمه فهمًا صحيحًا على وجهه دون هوى أو حظ نفس لعَلِم أن الأستاذ الدكتور أحمد الطيب عقلية مجدِّدة.

وهذا ليس مدحًا في تلك المؤسسة العريقة أو دفاعًا عن شيخها الطيب، فهي أكبر من مدح مثلي ودفاعه، وهذا لا يعني أن صرح التجديد قد تمَّ واكتمل، فالأمر يحتاج إلى وقت، ويتطلب كما ذكرنا آنفًا تضافر جهود الأزهر وكل المعنيِّين بهذا الأمر عالميًّا لا محليًّا فقط.

وفي الختام أسأل الله تعالى أن يكلِّل جهود شيخه الطيِّب وقياداته ورجاله وأبنائه بالتوفيق والسداد إلى ما فيه خدمة دينه والأزهر الشريف.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط