الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

النفس البشرية: أنواعها وأمراضها


بداية، نود التذكير بأن الفقهاء والفلاسفة لم يتفقوا فيما بينهم على معنى واضح لكلمتي النفس والروح وهل هما شىء واحد أم لا.. فريق قال أن النفس هي الروح (منهم ابن سينا وابن القيم)، وفريق قال إن النفس غير الروح (منهم الباقلاني وابن العربي)، لكن اللافت في الأمر أن معاجم اللغة العربية كالوسيط والوجيز وغيرهما أخذت برأي الفريق الأول وقالت في تعريفها للكلمتين أن معناهما واحد، وكان أولى بها أن تلتزم الحياد في موضوع ملتبس كهذا، فبعد بحث طويل توصل كاتب المقال إلى أن النفس غير الروح، وأنه يتفق مع الفريق الذي رأى ذلك، ومع قول أهل الأثر "الروح غير النفس..الروح نور من الله والنفس طينية"..

للنفس علم قائم بذاته يدرس في كل جامعات العالم يسمى "علم النفس"، ولها أمراضها وأطباؤها المتخصصون في كل مكان، والأبحاث على نفوس الإنسان والحيوان ورسالات الماجستير والدكتوراه التي تبحث فيها لا تتوقف.. العلم "الكثير" المتوفر لدينا عن النفس، وتحديد مكان واضح لها في المخ على جانبيه الأسفل والأوسط، ودخول عصب الشم فيه، يتناقض مع العلم "القليل" الذي ذكرته الآية الكريمة عن الروح، ويؤكد على أنهما أمران مختلفان. لقد ذكرت كلمة النفس ومشتقاتها في القرآن الكريم 295 مرة، أما الروح فذكرت 21 مرة فقط وبمعان مختلفة جدا عن بعضها، منها الروح جبريل عليه السلام، وعيسى عليه السلام، والقرآن، وملك عظيم يقوم يوم القيامة مع الملائكة، وروح الإنسان.. إلخ..

علميا، النفس موجودة في الإنسان والحيوان، وهي مبنية على أربع غرائز: الميل للتجمع، وإثبات الذات، وحب التملك، ثم الصراع المدفوع بالحرمان. والحيوانات عندها كل هذه الغرائز الأربع، أي تشارك الإنسان ملكيتة للنفس ولصفاتها، لكن نحن بني البشر نختلف عن الحيوانات بالعقل والمسئولية، أي الرقابة على النفس. بمعنى أنه كي يكون الإنسان مسئولا، لا بد أن يكون واعيا، أي أن النفس تتصرف في وجود اليقظة والعقل، إلا أنها قد تسرح وتمرح في الأحلام في انفصال شبه تام عن العقل.. الطفل حديث الولادة فيه روح، لكنه يختلف عن الكبار في أن لديه عقل ونفس في بداية الطريق، خاليان وحاضران ومستعدان للتعلم واكتساب المعرفة معا، العقل يتعلم والنفس تتشكل...

ولم يتفق الفقهاء أيضا حول أنواع النفوس وعددها، بعضهم قال ثلاثة وبعضهم قال خمسة أو سبعة أو تسعة، أما كاتب المقال فيرى أن النفوس أربعة فقط، وكل ما قيل غير ذلك استند إلى حوارات لفظية وبلاغية وليس على أساس علمي.
أنواع النفوس:

1- النفس الزكية: عند الأطفال، هي النفس الطاهرة البريئة، التي لم تتعلم ولم تتلون بعد.
2- النفس المطمئنة: هي التي تتفق دائما مع العقل وتسير معه، ووصفت أيضا بالمؤمنة والمصدقة.
3- النفس اللوامة: هي التي علاقتها بالعقل متأرجحة، تخطىء وتصسب، تحاسب نفسها وتعدل مواقفها باستمرار.
4- النفس الأمارة بالسوء: هي النفس التي تتصرف على هواها ونزواتها بعيدا عن العقل، تدفع صاحبها دائما لارتكاب المعاصي ولا تحترم لا عقل صاحبها ولا عقول الآخرين.

وما يقال أحيانا عن "روح مرحة"، أو "روح معنوية"، هو من باب المجاز، وترجع كلها إلى أوصاف النفس، والسبب في ذلك هو الغموض في معنى الكلمتين وكثرة استخدام واحدة مكان الأخرى.

بعض المتاعب النفسية قد ينعكس على الجسم في شكل أمراض جسمانية كقرحة المعدة والذبحة الصدرية والصداع. والعكس صحيح، إذ أن مشكلة جسمانية كالتشوه قد تسبب لصاحبها مشاكل نفسية كالتوتر والانطواء والقلق وربما الانتحار، وثبت أن الموسيقى وهي موجات صوتية ومقامات، تعمل على تخفيف التوترات النفسية وتستخدم كعلاج، حتى أن من المقامات الموسيقية مقام يسمى "راحة الأرواح"، كما أن نغمة مقام الصبا الحزينة يرتاح لها كل حزين ويقول أنها "تأتي على الجرح" ويطلب إعادتها، مع أنها في الحقيقة مجرد ذبذبات صوتية لا أكثر ولا أقل...

الأمراض النفسية تعزى إلى "خلل وظيفي" في كيمياء المخ يظهر بعد الولادة بسنوات (وليس ولاديا)، إلا أن الوراثة تلعب دورا كبيرا في بعضها، والغريب في أمراض النفس تنوعها الواسع مابين الانطواء والاكتئاب والانسحاب التام من الحياة، إلى الوساوس والهستيريا، إلى درجات متفاوتة من العدوانية والتخريب، وتساق هذه الفئة الأخيرة إلى المصحات العقلية لحماية المجتمع من خطورة أفعالها...

قال الإمام البوصيري في إمكانية ترويض النفس:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط