الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ب

بيت ترامب الأبيض


لا أحد يستطيع أن ينكر إعجابه ببعض الشخصيات السيادية الأمريكية التي تمردت على إرادة رئيسها الجديد دونالد ترامب.. والعصيان جاء على خلفية قراره بحظر دخول مواطنين ينتمون إلى بلدان مسلمة تتآكل من الحروب بدعوى الوقاية من الإرهاب خيرٌ من العلاج.. لكن الوقاية عند ترامب، هي عزل الموبوئين "بداء الحروب" بعيدًا عن حدود الولايات المتحدة.

واللافت للنظر، أن الأخبار التي تأتي من الولايات المتحدة تركز عن أن المسئول الفلاني لم يرضخ لأوامر البيت الأبيض.. وكأن ترامب نام ثم استيقظ فوجد نفسه داخل بيته الأبيض فأحل لنفسه التشريع والتحكيم.

لا شك في أن أسلوب ترامب صدم المواطن الأمريكي بحقيقة ما كان في أذهان الناخبين الأمريكيين، فالرئيس ترامب انتُخِبَ وفق أعلى معايير التصويت الديمقراطي، وقد عبر الناخب الأمريكي عن ذلك بكل أريحية، دون التعرض لأي ضغوط أو ابتزاز مادي.

الجميع كان يعرف شخصية ترامب وأسلوب تفكيره والرجل لم يكذب إلى الآن على الأقل ببعض مما أفتاه وقتما كان مرشحًا، ورغم ذلك فقد توجه الناخب الأمريكي وأدلى بصوته لصالح ما اعتقد أنه في صالحه.

الأيام الأولى لترامب أظهرت مناخًا مزعجًا في محيط أوروبا، إذ ذهب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، بعيدًا في نبوءته بسياسة ترامب وفهرسها في خندق الأعداء تمامًا كالإسلام الراديكالي والإرهاب وروسيا والصين وفق تصنيفاته.

ولا ريب أن مثل هذه التصريحات توضح حالة الفوران التي تعتري الاتحاد الأوروبي إزاء ما يمكن أن يصل إليه ترامب من قرارات انفجارية، قد تطيح بالتحالفات الكلاسيكية المعتادة.

والواضح حتى الآن أن المشكلة تكمن فقط عند الموالين للبيت الأبيض.. أما الخصوم، فقد تأقلموا على المواجهة مع الولايات المتحدة منذ عقود التي أدمنت استعمال التهديد أو العقوبات، ومن هنا، فإنه يتعين على شركاء الولايات المتحدة الكف عن طريقة التفكير بأنهم أصحاب قرار في الشأن الدولي وأنهم يذهبون مع واشنطن مختارين لا مكرهين.

واقع الحال يشير إلى أن ترامب فضل التعامل مع الوقائع بشكل مباشر وبلا قناع دبلوماسي زائف، فخلال ولايتي الرئيس السابق باراك أوباما، توجه الأخير على خلفية الأزمة في أوكرانيا إلى فرض عقوبات على روسيا، وعلق أن خياره كان بالتراضي مع الشركاء الأوروبيين، رغم أن الكثيرين من دول الاتحاد الأوروبي قد تكبدوا خسائر مالية ضخمة جراء موقف أوباما.. ومن قبله.. جرَّ جورج بوش العالم في حرب ممتدة على الإرهاب من أفغانستان إلى العراق، وأقام سجونًا ومعسكرات اعتقال سرية وساق حقائق اتضح لاحقًا أنها افتراءات دون أن تحرك للعواصم الغربية ساكنًا أو تعترض.

كما أن الاستخبارات الأمريكية تنصتت على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل و افتضح الأمر من خلال برقيات ويكيليس.. ولم تقدم واشنطن اعتذارا بل وتفهمت برلين أو بالأحرى أدركت حجمها.

دونالد ترامب يعرف كل ذلك، ويريد ربما التصرف على هذا الأساس، كما يريد أيضًا من الباقين أن يتأقلموا مع هذه الحقيقة، ويعتادوا على تصرفاته المفاجئة التي تقترب كثيرًا من المضاربات في أسواق الأسهم والبورصات.

لكن من كل قلبي: تبقى هناك معضلة المواطن الأمريكي الذي لم يستسغ فجاجة ترامب، وعجرفته رغم أنه كان إلى وقت قريب، مرشحه المفضل، فترامب حرص على الظهور خلف المكتب البيضاوي وعائلته تلتف من حوله كما لو كان في برجه التجاري في نيويورك.

وانطلاقا من التفرد الذي أجاده ترامب خلال أيامه الأولى، فإن معدل الصدمات التي سيتلقاها المجتمع الأمريكي سيرتفع ولن يكون من اليسير استخلاص تبعاتها على الشارع الداخلي.

اللافتات التي ارتفعت على أيدي الأمريكيين ونصرة لحق اللاجئين بالعبور إليهم كانت مليئة بالشتائم المؤذية للرئيس، ولا نستبعد أنه في مناسبات قريبة ستكون لترامب قرارات جديدة تستدعي عصيانا غاضبًا هنا.. وتظاهرات ممتدة هناك.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط