الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شقيانة.. لكن شقاها حلو


كفرس تهرع لوليدها في الحظيرة، بكل شوق وحنان وصلابة، تزيح من في طريقها، بساقين صلبتين تسبق خطاهما قدماي، انطلقت من باب عربة المترو، كأم متوحشة، حاملة «شيلة» تنوء بها الرجال في يد واحدة، ترج الأرض تحتها رجا.

كانت قد اقتحمت العربة في إحدى محطات اتجاه المرج، مزيحة من في طريقها من رجال مترهلين، سمراء تلبس السواد، الرأس مرفوعة على جيد طويل، الكتفان مفرودان كمنكبي فلاح أرض شدهما الحرث والعمل.

الصدر مكور ومدور متصلد متوحد مع ذاته، كمقاتل في غمار حرب، البطن مختفية، والظهر معدول مستقيم، كجزع شجرة مستو ظمآن في صحراء قاحلة.

الردفان مشدودان شدا، كأنهما من حجر صوان، والساقان فارعتان مستقيمتان قويتان، لا تنثنيان.

في مقعد مواجه جلست، والتحدي في عينيها، نظرة فوق نظرة في عينيها السوداويتين، النظرة الأولى تحدٍّ وقسوة، والنظرة التي تحت الأولى تحمل أنثى شرسة مقيدة العاطفة، فرحانة بنظرة الإعجاب، ابتسمت عيناها فقط وتلألأت.

سألتها عيناي، من أين لك بكل تلك العافية، وأنت امرأة، قالت عيناها: من الرضى بالمقسوم، ومن أين لك بتلك العزيمة والصبر والقوة، أجابت: من الحب، حب من هم خلفي وأرعاهم، وحب الشقا.

قالت عيناي مشاكسة: «شقيانة لكن شقاكي حلو»، أجابت مقلتيها، راضية، وصابرة، وفرحانة.

أعدت الكرة عليها، في أي مشاق تقاسين، قالت نظرتها على أثقل الأحمال تعودت، لا أعرف التنهيدة، ولا أحب أعمال الرجال السهلة، فالقسوة سلاحي.

مراوغة حاورت عيناي، ألست أنثى؟ أجابت ابتسامة خافية على شفتيها، هل قاسيت ما يجعلك كفؤا لي، قد تعتصرك رغبتي عصرا فتموت في يدي، فأنا أنثى لا تعرف في الحياة سوى الشدة، وأحيا على القوة.

هربت عيناي من جرأة نظرات خجلى، بعد محطتين استجمعت قواي ونظرت، فإذا هي كإنسانة قد غفت في استسلام لتعب ما، قبل أن نصل للنهاية استيقظت كأنها لا تغفو أبدا، وانطلقت.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط