الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مارتينا مدحت تكتب: «يوم واحد»

الكاتبة مارتينا مدحت
الكاتبة مارتينا مدحت

لم نعُد نأخذ الكثير من الوقت حتى ندرك أننا جزء صغير جدًا من منظومة كونية هائلة الضخامة، كانت ولازالت وستظل تعمل وفقًا لشروطها، وأننا لا نملك أن نغيرها حتى وإن أردنا ذلك، وأغلب من قالوا من قبل أن تغيير الكون "ممكنًا" أو بالأحرى اعتبروا أنفسهم من مصلحيه، لا يستحقون سوى الشفقة، الشفقة على سعيهم لابتلاع حقيقة مُرة لا يطيقون بها صبرًا، حقيقة يحاولوا صبغ بهتانها ببعض الأمل، ربما يكون فى هذا الأمل الزائف مخرجًا.

يمكن القول إن الأذكياء فقط هم من أدركوا ذلك، أدركوا أن قواعد اللعبة ليست عادلة، وأن هناك خطأ ما يحدث، أدركوا أن كثيرا من الأمور تنتهى مُخَلِفة وراءها قدرًا مهولًا من الصدمات واللا منطقية، كل هذا الشر غير المبرر والمسببات غير الواضحة والألم والصراخ وليالى البكاء الطويلة ونوبات الاكتئاب المتكررة وكل ما لا يَد لك فيه ولن ينتهى بالرغم من حزنك وانتحابك.

وفى سبيل مقاومة هذا كله ومحاولة جعله هينًا وأخف وطأة وحدة على القلب ولو قليلا، فيكفينا يوم واحد يكون فيه العالم أخف حملًا والحياة أكثر عدلًا، يوم واحد لنواسى أنفسنا ونلتقط أنفاسنا بعد المحاولات التى ذهبت سُدى، يوم واحد لنُبطئ من سيرنا وننظر بتأنى لكل ما مررنا بجانبه وتخطيناه بالرغم من جماله الأخاذ، فقط لنحاول تعويض ما سلبه قُصر نظرنا منا، يوم واحد لتجربة كل ما تجنبناه خوفا منه أو ربما لاعتيادنا غيره "واللى نعرفه أحسن من اللى منعرفوش"، يوم واحد للإثبات فعليا أن هذا "اللى منعرفوش" ربما يكون الأفضل.

يوم واحد للتخلى عن الدفاعات والكبرياء وكل ما نتحصن به، لنقول صراحة إننا نحبهم ولا نريد شيئًا سواهم، ولو كنا نعلم مسبقا أنهم لن يهتموا، فقط يوم واحد لمواجهة أنفسنا وتحدى لا مبالاتهم.

يوم واحد فقط لإكمال ما تم بدؤه وزُهده فى المنتصف، لإعادة ترتيب الأولويات والنظر فى القضايا المتراكمة وتحديد موقفًا واضحًا اتجاه كل ما تغافلناه عمدًا أو بغير عَمد، يوم واحد فقط ينتهى فيه الانتحاب وإعطاء الحزن حقه حتى يرحل وإغلاق ما تم فتحه بدون رضانا وفتح ما تم إغلاقه بعدما آمَنّا باستحالة فتحه مرة أخرى، إنهاء العلاقات المتوترة والأعمال التى نكرهها وفُرِض علينا ضرورة القيام بها، يوم واحد تنتهى فيه الحروب والضغائن والمجازر والقتل وكل ما يُطفئ من الروح جزءًا.

يوم واحد فقط لنحيا كما أردنا نحن أن نحيا لا كما أرادوا هم لنا، لوضع شروط اللعبة التى تناسبنا، تناسب أهوائنا وتجاربنا ولا تتعارض مع سعة صدورنا، لوضع القواعد التى تلائم قدر احتمالنا، يوم واحد لرؤية الأشياء كما تمنيناها أن تكون، يوم واحد لإعطاء أنفسنا فرصة البداية من جديد.