الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لماذا يتحدث «عمار» باسم «عمارة»؟!


هل أصبح مكتوباً على الصحافة أن تكون تحت رحمة رأس المال وسلطة رجال الأعمال؟ سؤال يطرح نفسه بقوة بعد أن أصبح المال والنفوذ ورجال الأعمال هم من يتحكمون في كل شيء حتى وصل الأمر للكلمة المكتوبة ثم للإعلام وفضائياته.. فظهرت علينا قنوات رجال الأعمال الذين يروجون لأنفسهم ولأعمالهم ولحماية مصالحهم.. ويسخرون بنفوذهم وأموالهم من الكتّاب والإعلاميين من يروّج لهم ويحمي مصالحهم فيهاجم الدولة بشراسة حتى ترفع يدها عنه أو تسمح له بممارسة تجارته أو صناعته المشبوهة.

وكما فعل أحد رجال الأعمال المَدينين لأحد البنوك الحكومية بـ 34 مليار جنيه فكانت حملته الشرسة على الدولة ومسئوليها وطبعاً على رأس الحملة الإعلامي الأشهر الذي لا يمل ولا يكل من الإثارة والتسخين!!

والآن نجد من يدافع عن رجال الأعمال صراحة ودون مقدمات عندما فاجأنا الزميل عمار علي حسن بمقال بجريدة المصري اليوم عنوانه (قال لي محمود عمارة: قد نأكل ورق الشجر والكلاب)، وقبل أن نخوض في مضمون المقال نتساءل: ما الداعي لأن يتصدر اسم رجل أعمال يملك استثمارات داخل وخارج مصر عنوان مقال لكاتب معروف بحجم عمار على حسن؟! ودون تشكيك في الزميل عمار نطرح سؤالاً يحتاج إجابة عاجلة.. هل المقال إعلان مدفوع الأجر؟! أو أن المقال بتكليف من رجل الأعمال صلاح دياب "مالك المصري اليوم" والمُرتبط بعلاقات تجارية وزراعية مع محمود عمارة؟! وما هي كواليس استضافة محمود عمارة بمسكنه الفخم بباريس لكاتب المقال عمار علي حسن؟ أسئلة مشروعة نطرحها على الرأي العام دون توجيه اتهامات لأحد.

ونستحضر هنا الخلاف السابق بين محمود عمارة والمجلس الأعلى للآثار بسبب الأرض المملوكة للمجلس ونستدعي زاهي حواس للإدلاء بشهادته، كما نستحضر هنا المقال الذي نشره "عمارة" بجريدة المصري اليوم بتاريخ 20 أبريل 2009 بعنوان (تدخل يا سيادة الرئيس) والذي يستغيث فيه بالرئيس مبارك لدعمه في أزمته مع الحكومة بسبب استحواذه على أراضٍ بوضع اليد بالطريق الصحراوي يُسانده في ذلك مالك الجريدة صلاح دياب، المستحوذ أيضًا على أراضٍ بالطريق الصحراوي.. ليقدّم نموذجاً للصحافة الخاصة عندما تكون في خدمة وضع اليد.

ثم نعاود التذكير بحوار "عمارة" لجريدة الوفد بتاريخ 19 نوفمبر 2016 الذي يشيد فيه بالمشروعات القومية التي تنفذها الدولة وبدور الهيئة الهندسية تحديداً، لتتحول مصر الآن وفجأة لخرابة بعد ما قررت الدولة إنفاذ القانون في حقه، وليطرح السؤال نفسه: ما هي أخبار تصدير كبد الأوز بالشراكة مع اثنين من كبار الصحفيين اللذين روّجا لتعيينك وزيراً للزراعة؟

ونترك للقارئ الإجابة عن هذه الأسئلة، ولكن قبلها نقدم له ما تيسر من السيرة الذاتية للمليونير المقيم في باريس محمود عمارة، لندرك أسباب هجومه على الدولة من قصره في باريس، يمتلك "عمارة" قطعة أرض مساحتها 180 فداناً ملاصقة لوادي النطرون وهي محل نزاع مع الدولة منذ عام 2005، كما يمتلك قطعة أرض ثانية مساحتها 420 فداناً بالطريق الدولي (وادي النطرون - العلمين) في الكيلو 32 مأخوذة بطريق وضع اليد ومحل نزاع مع الدولة منذ عام 1999، والنزاع قد تجدّد بعد فحص لجنة الأراضي برئاسة المهندس إبراهيم محلب لموقفه الذي تبين أنه غير قانوني بينما يُصر عمارة على عدم رد أموال الدولة التي يُبشر بخرابها من قصره بباربس.

كل ما سبق هو حقائق ووقائع ثابتة ولا يُنكرها أحد.. وجميعها تثبت تزاوج الصحافة بالمال ورجال الأعمال وإن كنت أتمنى أن يكون هناك رد عليها وتكذيب لها لما نُكنّه للزميل الفاضل من احترام وتقدير. 

أما عن مضمون المقال فهو عبارة عن حديث في شأن رفض "عمارة" لمنصب وزير الزراعة وطبعًا الأسباب كلها طعن على الدولة وفي القانون الموجود وفي النظام القائم.. لا أعترض ولكن أن يكون محور الحديث كله الترويج للرجل وكأنه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ مصر من الخراب وأنه رفض لأنه يرفض الوضع الحالي!

يقول "عمار" في مقاله عن عمارة: "الرجل الذى خرج من مصر وخلفه ثمانية عشر عامًا، ومعه ستة عشر جنيهًا إسترلينيًا فقط، وكافح فى فرنسا وأمريكا وصار رجل أعمال، ومن أكثر العارفين بالزراعة قال لى غاضبًا: «لو استمرت بلادنا تُدار بهذه الطريقة الارتجالية، حيث لا خطة، ولا يُسند الأمر إلى المُخلصين الفاهمين فإن المجاعة آتية لا ريب فيها».

إذن ولو كان الأمر يهمه حقاً وفعلاً وهو يرى مصر مُقبلة على المجاعة فلماذا لا يُضحّي بجزء من وقته ومجهوده لصالح مصر حتى لو كان هدفه هو مكافحة الارتجالية التي يتحدث عنها!

ويستمر "عمار" في سرد الحديث مع "عمارة" حتى يصل فعلاً للحديث عن أرضه التي حصل عليها من الدولة فيقول "عمارة" لـ"عمار": "حين قابلته كان حزيناً على الأوضاع فى بلادنا، وحدّثنى عن العقاب الذى يتعرّض له الآن نتيجة وصفه مشروع زراعة 1.5 مليون فدان فى الصحراء الغربية الذى افتتحه السيسى بأنه «فنكوش»، وأفهمنى أن العقاب هو سعى الدولة لتأميم الأرض التى أنفق على استصلاحها حسب تقديره، ستة ملايين يورو، ومعه أرض مزارعين صغار بذلوا جهداً مُضنياً، وأنفقوا أموالاً طائلة، من أجل إحياء أرض ميتة، فلما صارت زرعًا ذا ثمر، تطالبهم «لجنة محلب»، أو بمعنى أدق مَنْ وراء هذه اللجنة، بسداد 120 ألف جنيه عن الفدان الواحد للدولة، بينما تطالب من حوّلوا أرضًا مُخصصة للزراعة إلى فيلات وقصور بمائة ألف فقط عن الفدان.. قال لى: يمكننى أن أسلّمهم الأرض كاملة بعد أن يدفعوا لى ما أنفقته عليها.. أنا لا أريدها".

طبعاً الكلام هنا يؤكد ما سبق وذكرناه في بداية المقال عن السبب في هذا الموقف من الدولة وإن كان يدخل بهذا الشكل في إطار محاولات الدفاع عن النفس بأي وسيلة والسلام!

وعندما سأله "عمار" عن رفضه لمنصب وزير الزراعة قال: "أنا لم أتأخر عن إفادة بلدى بما أعرفه، لكننى قلت لمن جلسوا معى لاستطلاع رأيي حول قبول منصب حكومي من عدمه أن يغيروا بعض القوانين المُقيدة للانطلاق، والتى تكبّل المسئولين، وأن تُترك لى حرية التصرف وممارسة صلاحياتى كاملة".

فيرد "عمار" بعبارة توضح الموقف الثابت من أي مسئول -مواقف سابقة التجهيز لا تتغير ولا تتبدّل- قال: "سمع أنه قد جمعوا عنك معلومات جعلتهم يُحجمون عن إسناد أى مسئولية لك؟.. قهقه وقال: إن ما يشغلهم هو ما إذا كان سيتم ترويضك بسرعة من عدمه، وما إذا كنت ستقبل ما هو موجود وتدافع عنه أم تنتقده ولو للمصلحة العامة.. وذكّرنى كلامه بفكرة مقال تلح علىّ دومًا، ولم أكتبها إلى الآن، بعنوان «باب الخدم» والذى على كل من يريد أن يكون له موقع فى الإدارة، أو بالقرب منها، أن يمر به فى بلادنا، فالسلطة المفرطة فى التسلّط والعنجهية والشعور الزائف بالاكتفاء الذاتى تكره المعتدين بأنفسهم، المُتكئين على كفاءتهم، والذين يريدون أن تجرى الأمور لصالح الناس بلا مواربة، لأنهم أصحاب الشرعية والمال والسيادة، وليس لصالح شريحة أو فئة أو مؤسسة أو جهة، كما رأينا، ونرى".

إذن الحديث ليس عن منصب أو وظيفة ولكنه في النهاية مدخل لنصل إلى نتيجة واحدة سابقة التجهيز يسعون لوصولنا إليها والإيمان بها وهي أن النظام يرفض كل من يسعى للتطوير بعقلية مُستنيرة ويكتفي بالفشلة حوله والغريب أن ينتهي الحديث بالكلام عن المال والسيادة والسلطة في حين أننا أيضًا نتحدث عن سيطرة المال وسلطته على الصحافة وعلى بعض الأقلام التي تروّج لرجال الأعمال بالحق وبغير الحق.

والآن يا سادة نصل فعلا لـ "باب الخدم" الذي تحدّث عنه عمار نفسه متهمًا الجميع بالدخول منه.. فهل يمكن أن يكون هو نفس الباب الذي يستعمله رجال الأعمال مع البعض في صحف تروّج لحرية الرأي وحرية التعبير والديمقراطية ثم ترفض النقد أو الرأي المُخالف!!

كلمة أخيرة.. لعمار ولعمارة.. شعب مصر لن يأكل ورق الشجر والكلاب كما تقولون.. وستبقى مصر رغم مشاكلها ومتاعبها ورغم المؤامرات الخارجية والداخلية.. ستبقى مصر.. لأنها مصر.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط