الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الدكتور عادل عامر يكتب: قانون الهيئات القضائية بين الرفض والتأييد

صدى البلد

إن استقلال السلطة القضائية والارتقاء بمهنة القضاء تُبنى بالأساس على تشريع يكفل لها هذا الاستقلال عن بقية السلطات لاسيما السلطة التنفيذية بحيث يجب أن تتولى السلطة القضائية كافة أمورها بعيدًا عن التدخل من قبل أي سلطة أو جهة أخرى.
يجب أن لا يفهم من مبدأ الفصل بين السلطات بأن كل سلطة مستقلة عن السلطة الأخرى تمام الاستقلال بحيث تكون كل منها بمعزل تام عن الأخرى وإنما المقصود بهذا المبدأ هو دعم تركيز سلطات الدولة وتجميعها في يد هيئة واحدة بل توزيعها على هيئات منفصلة ومتساوية بحيث لا يمنع هذا التوزيع والاتصال من تعاون ورقابة كل هيئة مع الأخرى.

إن القضاء هنا جاء لضمان نزاهته فلا يمكن أن تمارسه هيئة سياسية، بل يجب أن يعود إلى السلطة القضائية المستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية في الحقيقة نلاحظ أن مبدأ الفصل بين السلطات نجد منبعه في الفكر القديم وهو طريقة فنية دستورية للتوفيق بين الملكية التقليدية
والديمقراطية التمثيلية، أما في الوقت المعاصر قد يعتبر هذا المبدأ كطريقة أو كعامل للحفاظ على التوازن بين مختلف السلطات العامة، السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومحاولة خلق التعاون فيما بينها.

إن ترسيخ مبدأ استقلال القضاء لا يتوقف عند المطالبة التي ينادي بها القضاة فقط، لأن المطالبة باستقلال القضاء ليست مطالبة فئوية تخص القضاة فقط ، بمعنى ان تحقيق الاستقلال من عدمه لا يخص القضاة فقط ، لارتباطه بسيادة القانون وضمان الحقوق والحريات التي هي بالأصل متصلة بعموم الشعب، لذا فإن المطالبة بالاستقلال تخص جميع أبناء الشعب.

من متطلبات حسن تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات، أن يتحقق التوازن بين السلطات الثلاث كي لا تطغى أي سلطة على الأخرى وهذا يتطلب وجود رقابة متبادلة بين السلطات ما يمنع تجاوز أي منها لصلاحياتها والتعسف وإساءة استعمال السلطة ومما يحقق حماية لحقوق وحريات الأفراد من خلال قيود وحدود لممارسة السلطات القائمة.

إن الإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات غالبًا ما يؤدي إلى ضعف السلطتين التشريعية والقضائية في مواجهة السلطة التنفيذية. من المزايا الهامة لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث انه يؤدي إلى ضمان احترام مبدأ سيادة القانون في الدولة ، بحيث نضمن خضوع السلطات الحاكمة للدستور والقانون وليس فقط الأفراد.

لأنه إذا اجتمعت وتركزت السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في هيئة واحدة فلا ضمان لاحترام القانون، لأن هذه الهيئة ستقوم بوضع القوانين وتعديلها بناء على ان الحالات الفردية الطارئة مما يفقد القانون صفة العدالة لأنه لن يصبح قواعد عامة ومجردة.

وكذلك لو مارس القضاة سلطة التشريع أيضًا، فان ذلك يؤدي إلى عدم عدالة القانون وأيضًا عدم عدالة الأحكام. لذلك فان الفصل بين السلطات وما يصاحبه من رقابة متبادلة بينها، يؤدي إلى ضمان احترام كل سلطة لحدودها الدستورية واحترامها لقواعد القانون، بالإضافة إلى ان الفصل بين السلطات يجعل السلطة القضائية رقيبة على السلطتين الاخريين ويضمن بوجه خاص خضوع قرارات السلطة التنفيذية لرقابة القضاء وإلغائها عند مخالفتها للقانون والدستور.

وتنظم مواد دستور 2014 طريقة تعديل تشريعات قوانين السلطة القضائية وما يتعلق بها فى مواده التالية. ونصت المادة 184 على: "السلطة القضائية مستقلة، تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقًا للقانون، ويبين القانون صلاحياتها، والتدخل فى شئون العدالة أو القضايا، جريمة لا تسقط بالتقادم". وتنص مادة 185 على أنه لا بد من أخذ رأى الهيئات القضائية فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، وجاء نص المادة "تقوم كل جهة، أو هيئة قضائية على شئونها، ويكون لكل منها موازنة مستقلة، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها، وتدرج بعد إقرارها فى الموازنة العامة للدولة رقمًا واحدًا، ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها".

وأكدت المادة 186 على استقلال القضاة وأن القانون يحدد شروط وإجراءات تعيينهم بما يحفظ استقلال القضاء والقضاة وحيادتهم، وجاء نص المادة كالتالي: "القضاة مستقلون غير قابلين للعزل، لا سلطان عليهم فى عملهم لغير القانون، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات، ويحدد القانون شروط وإجراءات تعيينهم، وإعاراتهم، وتقاعدهم، وينظم مساءلتهم تأديبيًا، ولا يجوز ندبهم كليا أو جزئيا إلا للجهات وفى الأعمال التي يحددها القانون، وذلك كله بما يحفظ استقلال القضاء والقضاة وحيدتهم، ويحول دون تعارض المصالح. ويبين القانون الحقوق والواجبات والضمانات المقررة لهم".

لذلك يعتبر جموع القضاة أن هذا القانون اعتداء صارخا على السلطة القضائية من جانب السلطة التشريعية الممثلة فى البرلمان خاصة بعد تمرير القانون رغم إعلان القضاة رفضهم له طبقا لنص المادة 185 من الدستور والتي تنص فى فقرتها الثانية على أن "يؤخذ رأي كل جهة وهيئة قضائية فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها".

ويتضح من هذه النصوص الدستورية أنه يجب حتمًا أخذ رأى كل جهة أو هيئة قضائية مستقلة فى الاقتراحات أو مشروعات القوانين المنظمة لشئونها وأخذ الرأي واجب وملزم حكمًا دستوريًا، ولكن رأى هذه الهيئات أو الجهات القضائية بالقبول أو الرفض أو التعديل ليس منصوصًا على إلزاميته الدستورية، ولذلك فإن مشروع القانون المذكور الخاص بتعيين رؤساء الهيئات القضائية وبعد رفض من جهات وهيئات السلطة القضائية يصبح مرفوضًا منها، فقد جرى العرف القضائي والدستوري على أن ما تراه كل هيئة أو جهة قضائية فى شأن هذه المشروعات ليس ملزمًا دستوريًا بالنص الصريح ولكنه وفقًا لما جرى على العرف الدستوري والقضائي فى مصر

فإن السلطة التنفيذية والتشريعية يجب عليهما أن تنفذا ما انتهت إليه رأس السلطة القضائية فى هذا الشأن، وهذا هو الأمر المتوقع أن يتبع بالنسبة للمشروع المذكور الخاص بتعيين رؤساء الهيئات القضائية، فالمشروع يخالف الدستور من حيث أنه يعتدى على استقلال السلطة القضائية ويجعل تعيين رؤساء هيئات وجهات هذه السلطة بناء على قرار جمهوري إداري من رئيس الجمهورية، وهو رئيس السلطة التنفيذية بدلًا من الالتزام بالأقدمية والجدارة والكفاءة فى اختيار وترشيح وتعيين رؤساء الهيئات القضائية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المشروع قد رفضته السلطة القضائية بالإجماع ويتعارض مع استقلال هذه السلطة الذى نص عليه صراحة الدستور

لان القرار المنشئ هو القرار الذي يرتب أثرا قانونيا معينا يتمثل في إنشاء مركز قانوني جديد أو تعديل أو إلغاء مركز قانوني قائم أما القرار الكاشف فهو تقريري لا ينشئ حالة جديدة وإنما يقتصر دوره على إثبات وتقرير حالة موجودة من قبل فهو يظهر هذه الحالة ويكشف عنها فقط لأنها موجودة في الواقع من قبل، فالقرار الذي يكتفي بتفسير قرار سابق أو تأكيده يكون كاشفا لا منشئا ويتميز بأن آثاره تترتب منذ تاريخ وجود الآثار القانونية التي كشف عنها أما آثار القرار المنشئ فلا تترتب إلا من تاريخ صدوره.
لذلك يرى القضاة أن منح رئيس الجمهورية رأس السلطة التنفيذية الحق فى اختيار واحد من بين نواب هو اعتداء من جانب السلطة التنفيذية على السلطة القضائية لأنه قرار منشئ من السلطة التنفيذية للتعين بدلا من قرار كاشفا لوضع قانوني قائم طبقا لنظام الأقدمية المطبق في تعين رؤساء الهيئات القضائية طبقا للعرف العام الجاري في اختيار رؤساء هذه الهيئات القضائية منذ انشائها

أن المادة 139 والتي تنص على أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية يرعى مصالح الشعب ويحافظ على استقلال الوطن ووحدة أراضيه وسلامتها ويلتزم بأحكام الدستور ويباشر اختصاصاته على النحو المبين به وعندما يتم منح رئيس الجمهورية حق اختيار رئيس محكمة النقض ورئيس السلطة القضائية فهو في حد ذاته عدوان على السلطة القضائية وإهدار لمبدأ الفصل بين السلطات التي نص عليها الدستور في مادته الخامسة وأن مبدأ الفصل بين السلطات لا يتحقق إلا بأن يختار القضاة أنفسهم من يقودهم وليس سلطة أخرى

وأن المشروع يعد إهدارا لمبدأ الأقدمية المقرر كأحد أصول العمل القضائي والذي يضمن أن يكون رئيس الهيئة ليس له ولاء وإنما أقدميته هي التي أتت به كما أن النائب الأول في جميع الهيئات القضائية هو في الأساس عضو بالمجالس العليا لهذه الهيئات وأن نص المشروع الجديد على كيفية اختيار رؤساء الهيئات القضائية من شأنه أن يحدث انقسامات داخل هذه الهيئات اعتراضا على من الأولى بتولي المنصب. لان مبدأ الفصل بين السلطات لا يتحقق إلا بان يختار القضاة أنفسهم من يقودهم وليس سلطة أخرى .
المشروع يعد إهدارًا لمبدأ الأقدمية المقرر كأحد أصول العمل القضائي والذى يضمن أن يكون رئيس الهيئة ليس له ولاء وإنما أقدميته هي التي أتت به كما أن النائب الأول فى جميع الهيئات القضائية هو فى الأساس عضو بالمجالس العليا لهذه الهيئات نص المشروع الجديد على كيفية اختيار رؤساء الهيئات القضائية من شأنه أن يحدث انقسامات داخل هذه الهيئات اعتراضا على من الأولى بتولي المنصب .

ان استقلال القضاء لا تضمنه النصوص الدستورية و القانونية بل هو مرتبط بالمطالبة المستمرة للقضاة أنفسهم ، بمعنى ان استقلال القضاء مرهون بالقضاة أنفسهم ، فإذا أرادوا الاستقلال توجب عليهم العمل على تحقيقه من خلال حيادهم و التزاماتهم الوظيفية و توحد المطالبة فيما بينهم من خلال ترسيخ مفاهيم جديدة تكون تحت كظلة نادي للقضاة او نقابات لهم او منظمات مجتمع مدني خاصة بهم . أن مجلس النواب يملك سلطة التشريع واستغلها بالمخالفة للدستور، والقضاة يملكون سلطة الحكم وستفرض ارادتهم بالقانون لتحقيق استقلال القضاء".