الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"ترامب" و"أردوغان" وحلبة المصارعة


نعلم أن لعبة المصارعة الحرة هي لعبة امريكية بامتياز، وفي هذه اللعبة ليس هناك تعادل أو تفاهم أو توافق، هناك فقط الرابح والخاسر، والخاسر حتمًا سيكون على شفا الموت أو أن عظامه تكون مهشمة ويتم نقله مباشرة للعناية المركزة، هذه هي قواعد اللعبة الامريكية التي تلقى رواجًا كبيرًا في عالمنا الشرق أوسطي من متابعين ومقلدين لها لا أكثر، ولا توجد في هذه اللعبة قوانين وأخلاق أو ضمير تمنع أحد الخصمين بأن ينظر لغريمه أو منافسه بعين الرحمة والرأفة والمساعدة، بل سيكون هدفه الوحيد تحطيم هذا الخصم وتلقينه الدرس الذي لن ينساه طالما هو حي.

هذه هي المرحلة التي نعيشها بكل تفاصيلها بعد مجيء ترامب الذي هو الابن الشرعي لحلبة المصارعة الحرة الامريكية الصنع والترويج، ونجاحه في الانتخابات هو نجاح لهذه الذهنية والثقافة التي لا همَّ لها سوى الربح والمراوغة للقضاء على الخصم، إنها الأداة الرئيسة لقوى الحداثة الرأسمالية التي أخذت ثقافتها من حلبة المصارعة هذه وهي الربح ثم الربح ثم الربح، إذ لا مكان ولو مجرد التفكير بالخسارة أو التعادل.

القرن الحادي والعشرين هو القرن الذي تعمل فيه الحداثة الرأسمالية على تجديد ذاتها والخروج من غلافها وقوقعتها التي احتمت بها خلال أواخر سنوات القرن المنصرم، أتت قوى الحداثة الرأسمالية نحو منطقة الشرق الأوسط وهي تحمل في جعبتها أدوات ووسائل تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي خطتّه في أواخر القرن العشرين وتم الترويج له في تسعينيات القرن العشرين من السمراء كونداليزا رايس.

بدأت مرحلة تنفيذ هذا المشروع مع ظهور ما يسمى بالربيع العربي الذي كان أردوغان من أهم ممثليه وأفضل أداة تنفيذية بيد القوى الغربية بلبوس الاسلام السياسي أو ما يسمى بالمعتدل. وعليه تم الترويج لأردوغان من قبل الآلة الإعلامية الغربية على أنه النموذج الأفضل في عالم الفوضى والتشرذم التي تعيشه المنطقة.

لكن بعد السنوات السبع العجاف على المنطقة تحول أردوغان من الأنموذج الأفضل للقوى الغربية إلى الولد المنبوذ من نفس القوى التي روجت له وأظهرته على أنه الخليفة المنتظر الذي سيكون البلسم لجروح المنطقة، يحاول أردوغان الآن وبكل ما يملك من قوة وامكانيات أن يُظهر نفسه بأنه ما زال يمتلك زمام الأمور في المنطقة، وذلك باللعب بورقة الفصائل التي دعمها خلال السنوات السبع العجاف في نشر الخراب والدمار والقتل والتهجير في سوريا والعراق وليبيا وكذلك مصر.

وما زال يقنع نفسه بأنه أفضل كومبارس وممثل وخادم لأسياده من القوى الرأسمالية، إلا أنه -أي أردوغان- لم يعلم أن الرأسمالية في الوقت الحاضر هي أيضًا غيرت من شكلها ولم تبقَ مرنة وليبرالية كما السابق، إذ أن انتخاب ترامب هو رسالة للجميع بأن الوجه القبيح للرأسمالية ظهر وأنها ستعمل كل ما بوسعها من أجل الحفاظ على ديمومتها وأنها ستتخلى عن أفضل حلفائها وأصدقائها من أجل مصالحها هي.

بات أردوغان كالثور الهائج الذي تلقى العديد من ضربات الرماح والسكاكين على ظهره في حلبة المصارعة هذه وأنه يحاول بكل ما يمتلك من قوة أن يبقى على أرجله علَّه لا يقع أرضًا ويكون فريسة سهلة، إلا أنه لا ولم يدرك بعد أن دوره في المنطقة انتهى وأن ذاكرة الشعوب ليست مثقوبة وأنه لن يكون المخلص، لأنه بديماغوجيته وكذبه أوصل بشعوب المنطقة إلى هذه الحالة التي تعيشها وكذلك تركيا.

سيتوجه أردوغان خلال أيام إلى امريكا ليلتقي الرئيس الامريكي ترامب المصارع الموهوب، الذي يعرف كيف يهزم خصمه وهو المتخرج من أكبر الأكاديميات التجارية والتي لا تبحث سوى عن الربح ولا تعترف بالحليف الضعيف واللعوب. خسر اردوغان في العراق وخسر في سوريا أيضًا على يد القوات الكردية التي أفشلت مشروعه التقسيمي فيها. والدور الأخير له ربما سيكون بمحاربة العمال الكردستاني والتي لم تكن الأولى أيضًا.

هل سيكون الضوء الأخضر الذي سيأخذه من أمريكا لمحاربة العمال الكردستاني هي بنفس الوقت الضربة القاصمة لأردوغان وستوقعه أرضًا في حلبة المصارعة، لأن العمال الكردستاني ليس كما السابق وأن توازنات المنطقة اختلفت كثيرًا عمَّا كانت عليه في السابق، وأن ما نعيشه هو مرحلة أو عصر الأقوياء وليس للضعفاء مكان فيه.

القوة لا تكمن في العضلات والسلاح فقط مع أنها أداة مهمة ولكن تبقى العقلية والذهنية وما تحمله من فلسفة حياة جديدة هي المحدد في النصر، فعلتها أمريكيا مع صدام حسين حينما أعطته الضوء الأخضر لغزو واحتلال الكويت وبعدها الكل حاربه إلى أن تم القضاء عليه، نفس السيناريو تم توكيله لأردوغان كي يلعبه وربما ستكون نفس النهاية ولكن بأسلوب مختلف، تتشابه الحوادث ولكن مع اختلاف الزمان والمكان والشخوص.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط