الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أهو جه يا ولاد‎


بدأ الإعلان عن الاستعداد لشهر رمضان الكريم، وكعادتنا التي اكتسبناها من بضعة أعوام أصبحنا لا نشعر باقتراب ليالي الصيام إلا عندما تعلق إعلانات المسلسلات على أعمدة الدعاية اللتي تقف بشموخ في نهر الطريق تتقاتل لتجذب أكبر عدد من المشاهدين، وفي رحاب الفضاء الواسع البعيد عن الأرض حيث تشغل لوحة الإعلان حيزها، لا تملك إلا أن تشكر الله أن بيننا وبينها مسافة كافية تحمينا من شُهب النار المتبادلة بين نظرات أبطال تلك الأعمال.

كنّا قديمًا نتبارى قبل حلول الشهر بشهر لنعلق الزينة الملونة تحت سُوَر الشرفات وفوق هامة الطرقات حتى يُستقبل الكريم استقبالا يليق بكرمه، وما كان يشغلنا كيف سنجعل استقباله أبهى هذا العام، فيحثنا ذلك على الابتكار في ألوان وأشكال الزينة والتسابق على تعليق الفانوس في مداخل العمارات وأمام المحلات، ويتمايل القلب فرحًا مع النور الذي ينبعث من خلف زجاج الفانوس الملون ولا تكتمل مراسم الاستقبال الروحية والعاطفية إلا عندما نردد: "أهو جه يا ولاد".

ولكن لأن دوام الحال من المُحال ومع حالة "الاستسهال" و"الاستهبال" التي اعتدناها، أصبحت شوارعنا تكاد تخلو من مظاهر الزينة والاحتفال واكتفينا ببانرات إعلانات المسلسلات والحلويات وتظاهرنا أنها تفي بالغرض طالما "معمولة على الجاهز"!! وأصبح شغل صُنَّاع الأعمال الدرامية الشاغل هو كيف يجذب المشاهد ويضمن ولاءه على مدى ثلاثين ليلة!! ومع البحث والفحص لطبيعة الشعب المصري الطيب الأعراق وُجِد أن العادة عنده تصبح مثل العِبادة، فإذا استطاع صانع العمل أن يجذبك أول ليلة ضمنك لألف ليلة.

ولكن كيفية الوصول لتلك الليلة الأولى مع السحورة الأولى ليست بالأمر السهل أيضًا في وسط هذا الخضم الهائل من الأعمال الدرامية ويجب أن يجذبك العمل بطرق أخرى (غير تقليدية) غير طريقة هذا البطل أُحبّه (الكلاسيكية)، فبدأ التجويد!!! وعادة كل مصائبنا الكبرى لم نصل لها إلا بعد أن قررنا أن "نجوّد" ويشهد على ذلك الكثير بداية من "التوك توك" مرورًا بموسيقى المهرجانات وما بينهما كان أفظع.. وبالفعل بدأت شجرة التجويد في طرح أسماء للأعمال الدرامية بلغة الشارع التي لا ترتقي لمستوى الشاشة المقتحمة عنوة لكل بيت وكل عين!!

وجّل ما أخشاه أن تلك اللغة اللتي تحاول الأسُر أن تكون "هربانة منها" تصبح هي لغة الحوار الرسمية، وهنا تكون المسألة "خلصانة بشياكة" لصالح "ولاد التيتة"، واللي مش عاجبه يعمل "زووووو" ويحاول "يريحّ المدام".

يومًا ما تعلمت الفرق بين البنون والبنين بفضل مسلسل "المال والْبَنُون"، وتساءلت عن معنى الضمير عندما اقترن باسم "أبلة حكمت"، وأدركت أن هناك رجالا من خارج حدود الزمن هم فخر لكل مصري عندما أحببت "رأفت الهجان"، وبحثت طويلًا عن تاريخ أماكن استنشقت عطرها في "ليالي الحلمية" و"بوابة الحلواني" و"زيزينيا"، ولم استسلم لإجابات مقتضبة عن معنى كلمة "الوسية"، وعشت أجمل ساعاتي في حضن رقي "هوانم جاردن سيتي"، وهذا ما دفعني لأن أشعر بأننا نعيش "الحالة ج" في تلك الأيام، فرجاءً كفوا أفكاركم عن الشاشة الصغيرة في الشهر الكريم وكل سنة وأنتم طيبين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط