الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لو أجسادنا تتبدل كل عام.. فمن نحن ؟


أفادت أبحاث أجراها علماء أمريكيون عام 2011 وما بعدها، أن 98 % من ذرات جسم الإنسان تستبدل كل عام، بمعنى أن الجسم بكامله تقريبا يتبدل كل سنة، أي أن الجسم الذي صام رمضان العام الماضي وصبر وتحمل، ليس هو الجسم الذي سيصومه ويتحمله هذا العام، بل جسم آخر.. والجسم الذي تخرج من الكلية هذه السنة ليس هو الجسم الذي دخلها منذ أربع سنوات، وجسم الزوجة التي معك الآن ليس هو جسمها الذي تزوجتها به، والشخص الذي ارتكب جريمة منذ خمسة أعوام وقبض عليه اليوم، ليس هو جسم من ارتكب الجريمة بل جسم آخر غيره..! كيف ذلك ؟

المفاجأة هنا أن خلق الإنسان من طين لم يقف عند أدم فقط، بل مستمر وما زال يحدث لكل واحد من ذريته إلى يوم القيامة، الفرق بيننا وبين آدم أن أجسامنا لا تخلق من طين، بل "تستبدل كل عام من طين".. كل إنسان يختلط جسده بتراب الأرض ويعاد بناؤه منها مرة أخرى بطريقة تدريجية لا يشعر بها الشخص ولا المحيطين به.. وأكد أحد الباحثين أن تدوير المادة بين أجسامنا والأرض باستمرار، معناه بالتأكيد أن أجسامنا بها بقايا ممن ماتوا قبلنا !.

قبل التعمق أكثر في هذه الحقائق العلمية المدهشة، نطمئن القارىء أن تبديل الأجسام لا يؤثر على الذاكرة والهوية ولا على الأجر والثواب على كل عمل صالح قدمه في الماضي، فالأجر والثواب يكتب ويحسب على الروح والهوية الثابتة، لا على الأجسام الترابية المتغيرة.

طبيا، معروف أن كل إنسان يخلع جلده ويلبس جلدا جديدا كل شهر دون أن يدري، وتزحف أظافره من مكانها ويأتي غيرها بالكامل كل خمسة أشهر.. والشعر كله يتساقط ويتبدل كل أربع سنوات، 600 ألف قشرة تسقط من الجلد يوميا ويزحف غيرها.. مليون خلية تموت في الجسم وينمو مليون خلية غيرها في كل ثانية تمر.. ماء الجسم كله يستبدل كل أسبوعين.. كبد جديد لكل واحد منا كل شهر ونصف، ورئتان جديدتان كل سنة .. هيكل عظمي كامل كل ثلاث أو أربع سنوات، وبطانة جديدة للقناة الهضمية كل أسبوع، فنحن نأكل من لحم بطانتها نصف كيلوجرام يوميا ونتغذى عليه.. كريات الدم الحمر تتبدل جميعها كل أربعة أشهر وطاقم جديد من الكريات البيض بأنواعها كل بضعة أشهر. كل شىء في الجسم يتهالك ويتم تعويضه مما نأكل ونشرب.. حتى المخ والقلب الذي قيل أن خلاياهما ثابتة ولا تتغير، ثبت أنها تتبدل هي الأخرى وإن على المستوى الذري الدقيق. الإعجاز هنا أن الجسم كله (عدا مينا الأسنان وجزء من عدسة العين) يستبدل، لكن الروح والذاكرة والذكريات لا تتغير..

فكر علماء الغرب طويلا وتساءلوا: إذا كانت أجسامنا تتبدل كل سنة، فمن نحن إذن ؟ قالوا إن شخصية الإنسان غير مرتبطة بالمادة الطينية التي يتكون منها جسمه، وشبهوا أجزاء الجسم بالكراسي المرصوصة في قاعة الاجتماعات، لا علاقة لها بما يطرح ويناقش ويتم إقراره في أي اجتماع، ويمكن إحلال وتجديد هذه الكراسي في أي وقت بينما الاجتماعات تعقد والقرارات تتخذ.. هذا التشبيه يتفق تماما مع "نظرية الاستبعاد" التي قمنا بصياغتها لأول مرة عام 2007، وشرحناها في مقال سابق على هذا الموقع بتاريخ 24/2/2017 ومفادها "أن 99.9 % من جسم الإنسان خدمي يمكن الاستغناء عنه أو تعويضه، وأن الروح تعمل من الرأس باتفاق تام مع بصمة الحمض النووي".

وتتجه الأبحاث حاليا لمعرفة كيف تحفظ شخصية الإنسان وذاكرته في مادة دهنية شبه سائلة كالمخ، الذي يحتوي على 100 مليار خلية عصبية لكل واحدة منها عشرة آلاف اتصال بغيرها، وطاقة خزن قدرها مليون جيجابايت، هنا تكمن الصعوبة، إذ لو كان المخ صلبا كقرص الكمبيوتر أو الفلاشة لكان الأمر سهلا ولا مشكلة في فهم طريقة خزنه للمعلومات، لكن في وجود اتصالات كهربية تفوق اتصالات هواتف العالم أجمع في كتلة بيضاء هلامية داخل الجمجمة، فهذا أمر يصعب فهمه، وما توصل إليه العلماء حتى الآن بواسطة تقنية الرنين المغناطيسي الوظيفي أن في هذا المخ خارطة لمناطق ومراكز لكل شىء: للسمع والبصر والشم والذوق واللمس، إضافة إلى مراكز للكلام والحركة والنوم والموسيقى والتغذية والحب والجنس والمال والسعادة والغضب، ولوحظ أن كل مركز منها يتوهج ويمكن التقاط صور له وهو يعمل، وأي مركز يصاب، تضيع وظيفته.

خلاصة القول أن حقيقة أي إنسان ليس جسمه الذي نراه، بل روحه وذاكرته فقط، ولهذا، لو حدث خلل في ذاكرة شخص عزيز علينا أو أصابه الخرف، نقول "ليس هذا هو الشخص الذي كنا نعرفه".. ومع بساطة هذه العبارة، إلا أنها في غاية الدقة والعبقرية، لأنها تلخص كل الحقائق العلمية التي وردت في هذا المقال..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط