الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل ستختفي دول الخليج بعد 50 سنة؟


انشطار لدويلات أم تحلل من الداخل، يختلف مصير الدولة، ولا يمكن الجزم بوجود دولة واحدة على الأرض عاشت بحدود ثابتة أو قوة دائمة دون اضمحلال. ويعتبر استقلال كردستان غير المعلن حتى الآن عن العراق بتبني علم وعملة نقدية وبنك مركزي وحكومة مستقلة، دافعًا لكتابة هذه المقالة في توقيت يحلق به شبح التفكك في سماء الشرق الأوسط برمته مما لا يجعل دول الخليج العربي المتاخمة للعراق في منأى عن الزوال.

وعند إلقاء الضوء على دول الشرق الأوسط التي تعيش في بحر مضطرب من الحروب المستعرة والاستقطابات الإقليمية، تعيش دول الخليج العربي في توقيت فريد من نوعه سياسيًا حيث يشغل هذا التوقيت احتمالات بالغة الجدية لزوال تلك الدول لتعيد للأذهان تجربة إنشطار العراق بانفصال كردستان الوشيك على الرغم من حكم صدام حسين وأبنائه البعثيين العراق بقبضة فولاذية لقرابة ربع قرن إلا أن هذه القبضة لم تنجِ العراق من التفكك والتقزم.

هل ستصمد النسخة الثالثة من الدولة السعودية بعد سقوط الدولة السعودية الأولى عام 1818 بدك محمد على باشا لعاصمتها "الدرعية" والثانية عام 1891 بخلافات قبلية حادة مع قبائل منافسة لآل سعود؟ وإذا سقطت النسخة الثالثة.. فماذا سيكون اسم الدولة الناشئة إذا ما انتقلت السلطة لأسرة غير آل سعود؟ دولة نجد والحجاز مثلًا!

غروب شمس العصر النفطي.. يلاحقه غروب لدول الخليج؟

يوم السبت الموافق 21 نوفمبر عام 2015 تصدر خبر في صحيفة "الإمارات اليوم" متوج بتصريح عريض للأمير/ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، يؤكد على بدء اعتماد الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة السياسة العليا للعلوم والتكنولوجيا، وعقب ذلك تغريدات على حسابه في تويتر تقول: بدأنا في خطواتنا الأولى واستعداداتنا المبكرة لاستدامة مواردنا لوداع آخر قطرة نفط.

أرى تلك التصريحات واقعًا صادمًا يقف أمام دول الخليج حيث لم يعد بإمكان العالم شعوبًا وحكامًا إنكار السعي الحثيث عالميًا لتوفير بدائل للنفط من مصادر نظيفة. إن الأمر هنا لا يتعلق بالخسائر المالية التي ستجنيها اقتصاديات الخليج الريعية بقدر خسارة تلك الدول لمصدر قوة أساسي لبقائها على خريطة الشرق الأوسط. هذا وقد يختلف البعض معي في هذا التحليل لأن تصريح الأمير/ محمد بن زايد قد يحمل ومضة نور لدى حكام الإمارات بتداركهم خطأ الاعتماد الحصري على النفط، لكن اعتقد أن تنويع شرايين اقتصاديات دول الخليج برمتها سيستهلك وقتًا ومجهودًا أكبر.

نفط وعقارات... رئة اقتصاديات دول الخليج بدون بديل، حيث لا مكان للقدرات الصناعية التي تعد ضمانًا هامًا لاستدامة الاستقلال الوطني لاقتصاد الدولة، وانتهاء عصر النفط سيجعل دول الخليج بلا مناعة اقتصادية أمام المنافسين الإقليميين مثل تركيا وإسرائيل بل وأقل شأنًا خاصة لدى القوى الغربية المساندة لبقائها بسبب نفطها.

ترامب لدول الخليج: لا تملكون سوى الأموال... من دوننا لا وجود لكم.

هذه هي العبارات الكارثية التي ألقاها خلال كلمته أمام جمهور ضخم من مؤيديه في مدينة دايتونا بيتش التابعة لولاية فلوريدا يوم الأربعاء 3 أغسطس 2016 عندما كان مرشحًا رئاسيًا، وتحمل تلك العبارتين دلالات قاطعة لتحليلي لاحتمالات تحلل دول الخليج مع تزايد اتجاه العالم نحو الاستغناء عن النفط، هذا التحلل قد يكون تقزمًا داخل حدودها أو انشطارًا لدويلات أصغر أو رُزُوحًا تحت حكم قوى إقليمية أكبر مثل إيران.هويات قومية غير ناضجة.

هناك محور أخر أخطر يتجاهله أغلب محللي التطورات السياسية الشرق أوسطية وهو هشاشة الهوية القومية لدى دول الخليج وغيابها لدى بعضهم حيث مثلت الطبيعة القبلية في شبه الجزيرة العربية جوهر الحياة بين شعوبها حتى يومنا هذا، فهل تمتلك تلك الدول شيئًا غير الأموال يعضد وجودها على الخريطة كهوية قومية عنيدة؟

ولا تزال القبائل في السعودية والإمارات تُعلي من قيمة الانتماء القبلية على الهوية القومية، فضلًا عن الضعف الديموغرافي لهذه الدول إذ لا يصل عدد سكان مملكة البحرين لـ 1.5 مليون نسمة.

هذا علاوة على افتقار أغلب دول الخليج لنظام سياسي عصري مكتمل العناصر كالبرلمان والأحزاب والانتخابات الحرة مما يجعلها بلا مناعة أمام انفلونزا الانتفاضات بالدول المجاورة مثل مصر وتونس لتحقيق الديموقراطية!

صعود الصين... أهم تحديات بقاء دول الخليج العربي.

ولا يمكن نسيان هنا الحديث عن رياح التغيير القوية في النظام الدولي، حيث باتت مؤشرات النمو الاقتصادي والعسكري الصيني حرجة للغاية مما جعل تجاهل الصين في أروقة صناعة القرار السياسي والعسكري والمالي بالنظام الدولي مثل مجلس الأمن والبنك الدولي شيئًا مستحيلًا.

هذا الصعود يطرح تساؤل حول السياسات الخارجية لدول الخليج التي تقتصر بشكل حصري على اللعب بورقة (هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية) باعتبارها الحصان الفائز الوحيد في السباق الدولي.

هل ستغير دول الخليج تحالفاتها الخارجية لتتحول نحو الصين خلال الخمسين عامًا القادمين؟

هذا سؤال صعب للغاية لأنه ذلك التغير لا يعتمد فقط على صناع القرار في تلك الدول وإنما أيضًا على مدى قبول القيادة الصينية لهذا التغير. ولا شك انتقال النظام العالمي نحو القطبية الثنائية أو المتعددة وتوقف إدمان العالم للنفط قد يستغرق أقل من نصف قرن من الأن... كيف سيبدو الشرق الأوسط أنذلك؟

إيران النووية.. نهاية الخليج؟

في خطابه أمام الكونجرس الأمريكي يوم الثلاثاء الموافق 3 /3 /2015 قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن إيران تسيطر على 4 عواصم عربية من دون امتلاكها سلاح نووي.. وماذا لو امتلكته!

بالفعل سؤال صعب لكن ماذا يملك العرب لوقف جماح المشروع الإمبريالي الإيراني خاصة عندما تصبح إيران نووية؟!. وعلى الرغم من التقابل الفريد بين مصالح الخليج وإسرائيل في إجهاض كابوس النووي الإيراني وقطع أزرع إيران بالمنطقة مثل حزب الله بلبنان والحوثي في اليمن، إلا أن التنسيق بينهما يغذي بالفعل خطابات القادة السياسيين والدينيين بطهران والتي تعكس صورة العرب في إسرائيل كشعوب مورَثة لملوكهم وحليفة للشيطان الأصغر (إسرائيل) والشيطان الأكبر (أمريكا) على حد وصف القائد الأعلى للثورة الإيرانية روح الله الخميني.

ولا بد من التأكيد هنا على النفوذ والقوة غير التقليدية التي ستحصل عليها إيران عندما تمتلك قنبلة ذرية، وعند تحقق ذلك سيصبح وجود دول الخليج في خطر جسيم حيث ستصبح مجاورة لثلاث قوى ذرية عظمى وهم إيران وباكستان والهند وهي كتلة عسكرية متراصة جغرافيًا لها مصالح حرجة بالخليج مثل تدفق العمالة والاستثمارات والتنقيب عن النفط والغاز.

الكتلة الشيعية.. قنبلة موقوتة!

على ضفتي الخليج العربي، طور الشيعة مذهبهم على مدى قرون عدة، أما على ضفته الغربية يمثل الشيعة قيمة مضافة ورأس حربه للمشروع الامبريالي الإيراني حيث تستطيع القيادة في طهران تحريكهم وقتما وأينما شاءت لذبذبة الأمن والاستقرار في عواصم ومدن الخليج العربي (باستثناء سلطنة عُمان نظرًا لغلبة مذهب الإباضية الشيعي) ودفع تلك الدول نحو حافة الانهيار والتفكك الداخلي، رغم وجود أصوات شيعية قليلة تعارض النهج الإيراني في التعامل مع الضفة الغربية من الخليج.

كيف ستبدو خريطة المنطقة العربية في المستقبل؟!

سؤال يبحث اليوم عن إجابة.. وغدًا يفرض واقعًا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط