الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ذكرى يونيو.. الفعل الثوري مستمر ومتعدد!


كانت ثورة الثلاثين من يونيو كاشفة لدرجة كبيرة، فلقد كانت نقطة فارقة في تاريخ مصر المعاصر، إنها كانت الخط الفاصل بين ذهاب مصر في أتون حكم فاشي لا يؤمن بالوطن، ولا المواطنة، ويعلي فقط مصلحة جماعة، ويحابي من ينتمي لتيار فكر معين، وبين دولة مدنية؛ مهما اعتراها من نواقص - نتيجة للعديد من العوامل - ولكنها تظل تؤمن بالوطن، وترسخ مفهوم المواطنة، وتعمل على إرساء مفاهيم الديمقراطية في مفهومها الشامل.

إن ثورة الثلاثين من يونيو كاشفة وفارزة، فإما أن تسلك نفسك في الاصطفاف الوطني وإما أن تختار أن تدور في فلك يسلبك العقل، بعد أن تسلم نفسك له كلية، إن اختبار الثلاثين من يونيه لم يكن مجرد إعلان انتماء، بل كان طريقا طويلا لم ينته حتى اللحظة التي أسطر فيها هذه السطور، لأن الفعل الثوري ليس فقط، كما يظن البعض، في حشود تملأ الميادين، وهتافات تصم الآذان، ولكنه حالة ديناميكية، تنتقل من فعل لآخر، وتتشكل في حالة بعد أخرى.

مشوار طويل هو ذلك الذي بدأنا خطواته في الثلاثين من يونيه، لابد حتما أن ينتهي بنا، بعد مشيئة الله، وعمل دؤوب مخلص مبني على خطط ورؤية، إلى مصاف الدول المتقدمة، تلك المكانة التي تجدر لمصر، وتجدر مصر لها، ذلك الذي هو في حاجة إلى مجهود كل فرد من أبناء هذا الوطن، ذلك المجهود الذي يتخذ أشكالا متعددة، بتعدد التحديات التي تواجه مصر، فإذا كان الشكل التقليدي لمرحلة الكفاح الثوري في ثورة الثلاثين من يونيو في أيامها الأولى وما تبعها من شهور، امتدت لسنوات، كان لزاما علينا فيها أن ندافع عن مفهوم الثورة وأهدافها والذي شارك فيه كل أبناء الشعب المصري في الداخل والخارج، بكل ما أوتوا من قوة، استلهمت الفعل الثوري في تجلياته الكبرى، ذلك الذي تمثل، في وجهة نظري، أوضح ما يكون التمثيل في الدور الذي لعبه مصريو الخارج حينما أخذوا على عاتقهم واجب تصحيح الصورة التي تم تصديرها عن ثورتنا المجيدة على أنها انقلاب عسكري، فانبرى الوطنيون من أبناء مصر، وأنا هنا شاهد وفاعل، لهذه الفرية يفندونها، ويرسمون بريشة مبدع الصورة الحقيقية لما حدث في مصر من رفض شعبي، أدى لفعل ثوري، أطاح بنظام فاشي، تلك الصورة التي جنت مصر ثمارها، في اعتراف دولي بثورتنا المجيدة.

لم يكن الفعل الثوري في الثلاثين من يونيه فعلا صادرا فقط من جيل دون غيره أو فئة دون سواها، ولكنه كان صادرا من جميع أبناء الشعب، واستمر ليصبح مُعَلِّمًا ومربيا لأجيال جديدة، في الداخل والخارج، نشأت عليه شاهدة وفاعلة.

أذكر هنا موقفا دالا؛ ففي أوج المعركة التي خاضتها مصر بأبنائها الشرفاء الوطنيين، والتي استهدفت الجماعة الإرهابية فيها، ومازالت، الجيش والشرطة المصرية بعملياتها القذرة، دَعَوْنا لمظاهرة في مدينة ليوبن النمساوية، استخرجنا لها تصريحا من الشرطة، وحددنا لها المكان الذي كان وسط المدينة، والزمان الذي كان أول يوم في عطلة نهاية الأسبوع " السبت" وذكرنا أثناء استصدارنا التصريح السبب الذي هو التنديد بالإرهاب الذي يضرب مصر، ودعما لجيش مصر ورئيسها الزعيم عبد الفتاح السيسي، وفي اليوم المحدد والساعة المعينة والمكان المقصود تجمع أبناء مصر المخلصين من رجال ونساء وشباب وأطفال يحملون علم مصر وصور الرئيس السيسي ويرفعون شعارات منددة للإرهاب، متمنية النصر لمصر، مرددين هتافات رافضة للإرهاب، معلنة وقوفنا مع جيش مصر ورئيسها في معركة وجود تخوضها مصر نيابة عن العالم، وكان أطفال مصر بالمرحلة الابتدائية يقومون بتوزيع منشورات على المارة توضح حقيقة ما يحدث في مصر استحقت كل من التلميذتين " همس بهجت ورغد بازينة ٩ سنوات آنذاك" أن تحصلا على لقب نجمة المظاهرة لما بذلتاه من مجهود، وتوضيح للأمر للمارة باللغة الألمانية، ذلك الذي يغرس في نفوس الأبناء والأجيال الجديدة الانتماء وعشق الوطن.

وفي الناحية الأخرى من المشهد كان هناك مصريون مناوئون للدولة الوطنية حانقون على الجيش كارهون للحاكم، هؤلاء الذين خرجنا لإزاحتهم في الثلاثين من يونيه، فإذا بهم يحاولون إفساد مظاهرة في حب مصر، مصطحبين أبنائهم، رافعين شارات رابعة وصور المعزول محمد مرسي متهجمين على مظاهرتنا هم وأبناؤهم، فتتصدى لهم الشرطة النمساوية وتحول بين قيام معركة، والملفت في هذا المشهد أن هناك من هؤلاء من كان يصور مظاهرتنا، وكأني به مكلف من جهة ما معادية بالقطع لمصر، سيمدها بصور هؤلاء المتظاهرين في حب مصر، لم يفتنا أن نسجل تلك اللحظات بالصوت والصورة فهي تاريخ نعتز به يقيم مقارنة حية بين من يربون أبناءهم على عشق تراب البلاد وعلمها، وبين من يملؤون صدور أبنائهم حقدا وكرها على مصر وشعبها.

إن الفعل الثوري في الثلاثين من يونيو كاشفا بما لا يدع مجالا للشك إلى أي الفريقين كان التوجه، وحاسم في معرفة التوجه الذي كان لا يقبل القسمة على اثنين، وهو ما سنناقشه في مقال آخر يجيب عن: هل كان هناك محايدون! أم مخادعون؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط