الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منتهى التناقض :"ترامب" يحارب الإرهاب و يدعمه في آن واحد بعد "ميوعة "موقفه حيال الإخوان و "الطبطبة "على قطر


هل أمريكا جادة بالفعل في مكافحة الإرهاب تحت رئاسة دونالد ترامب أم أنه لافارق بين ترامب و سابقه أوباما الذي اتُهمت إدارته بدعم الارهاب بمختلف أشكاله ؟.

تساؤل أصبح مطروحا بقوة على الساحة، بعد" ميوعة "الموقف الأمريكي حيال جماعة الإخوان الإرهابية من جهة و "الطبطبة" على قطر الممول الأول و الداعم الرئيسي للارهاب في المنطقة من جهة أخرى، في وقت عقدت فيه الآمال على ترامب لاستئصال الإرهاب من جذوره في أعقاب مشاركته في قمة الرياض العربية الإسلامية الأمريكية .

فكل من يحلل بعمق موقف إدارة ترامب من الارهاب عقب موقفه المائع الأخير من جماعة الإخوان الإرهابية بزعم مشاركة الجماعة الإرهابية في حكم بعض دول المنطقة و عدم إعطاء أوامر صارمة لقطر للتوقف عن دعم الإرهاب يتبين أن إدارته ستواصل سياسة إدارة أوباما في تشجيع الإرهاب و لكنها في المقابل ستعمل أيضا على محاربة الإرهاب بشرط أن تصب استراتيجية مكافحة الارهاب في مصلحة أمن الولايات المتحدة و أمن حلفائها الأوروبيين و يساهم تشجيعها للارهاب في زعزعة أمن و استقرار دول المنطقة و بث الفرقة بينها في إطار إستراتيجية "الفوضى الخلاقة" .

 و تتجلى أهمية عدم التخلي عن سياسة تدعيم الإرهاب بالنسبة لإدارة ترامب في النتائج المبهرة التي تحققت بعقد صفقات بمليارات الدولارات كما حدث مؤخرا من خلال توقيع السعودية لاتفاقيات تعمل على النهوض بالاقتصاد الأمريكي و صناعاته العسكرية بما يقرب من 400 مليار دولار .

و هنا يطرح التساؤل هل كان من الممكن لإدارة ترامب أن تحقق كل هذه المليارات في ساعات محدودة من دون دعم و تشجيع الإرهاب ؟.

و الإجابة هي أن قيام الولايات المتحدة بمكافحة الإرهاب بشكل جدي سيعني تجريد نفسها من أهم أسلحتها و هي زعزعة أستقرار دول منطقة الشرق الاوسط من الداخل و بأيدي مواطني هذه الدول لتصبح بذلك دول المنطقة خاصة الخليجية منها ذات الثروات البترولية الهائلة بغير أحتياج للحليف الامريكي لحمايتها من الأرهاب .

 كما ان الدول الخليجية و على رأسها السعودية لن تكون بحاجة في حال إختفاء الإرهاب لإنفاق المليارات كفاتورة واجبة السداد للفوز بالحماية الأمريكية خاصة في مواجهة مخاطر جماعات شيعية مدعومة من إيران بكل ما تحمله إيران من أطماع في الخليج العربي .

كما يعني إعطاء أوامر صارمة لقطر بالأمتناع عن دعم جماعة الإخوان الإرهابية تعطيل محاولة تنفيذ مخطط زعزعة إستقرار مصر و تراجع العمليات الإرهابية التي تديرها الجماعة في سيناء و مختلف المدن المصرية مما يمهد الطريق أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي لمواصلة تنفيذ إستراتيجيته القائمة على النهوض بمسيرة الإقتصاد المصري و تغيير تركيبة هذا الاقتصاد من إقتصاد خدمي مرتبط بالعوامل الخارجية إلى إقتصاد صناعي و زراعي و تكنولوجي .

و يدرك العالم أجمع و ليس الولايات المتحدة و الغرب فقط أن نهوض مصر وإستقرارها يعني نهوض المنطقة و أستقرارها و العكس صحيح .

و لذلك فإن محاربة الإرهاب بشكل جدي تعني بالنسبة لأمريكا فقد سلاح تأجيج الخلافات بين دول المنطقة مذهبيا ودينيا و عقائديا و عرقيا و هي نقاط الضعف التي تساعد على إضعاف هذه الدول و تقسيمها و تفتيتها إلى دويلات متحاربة متناحرة دون الحاجة إلى إرسال جيوش و شن حروب يقتل في أتونها الجنود الأمريكيين و تهدر فيها مئات المليارات من الدولارات كما حدث في الحرب على العراق على سبيل المثال .

كما تدرك أيضا إدارة ترامب كما أدركت إدارة أوباما من قبلها أن محاربة الإرهاب بشكل جدي و حقيقي يعني ايضا توفير مناخ آمن لدول المنطقة لتستقر سياسيا و أمنيا مما يمكنها من إنتهاج سياسات إقتصادية واعدة تقوم على جذب الإستثمارات و تحقيق معدلات نمو مرتفعة تؤدي إلى رفع مستوى المعيشة فيها خاصة و أنها تمتلك الثروات المادية و الإمكانيات البشرية و الموقع الإستراتيجي الذي يؤهلها لتحقيق ذلك .

و هنا لن تكون هذه الدول بحاجة إلى عقد صفقات تسليح بالمليارات لكي تحمي نفسها من جماعات أرهابية مسلحة أو من قوى إقليمية مثل أيران التي تمكنت من خلال تمويل جماعات مسلحة تابعة لها كما هو الحال بالنسبة لعصابة الحوثيين في اليمن من تهديد أمن الخليج و السعودية و تأجيج نار التطاحن بين الشيعة و السنة في العالمين العربي و الإسلامي .

و في نفس الوقت فإن فاتورة تكلفة تشجيع الارهاب قد لا تزيد لتدمير دولة ما عن 100 مليون دولار فقط في أسوأ الظروف تذهب لجيوب جماعات مسلحة و هو ثمن يعادل اليوم سعر طائرة حربية أمريكية فائقة التطور يمكن إسقاطها بطياريها في طلعة جوية حربية واحدة .

كما يعني أستمرار دعم الارهاب نشر الفوضى في دول الشرق الأوسط و توقف عمليات التنمية فيها مما يولد مناخا حاضنا لبروز جماعات معارضة مسلحة ذات خلفية دينية أو خلفية إجرامية تقوم بالسيطرة على مصادر الثروات في الدول العربية كما هو الوضع في ليبيا على سبيل المثال مما يمكن هذه الجماعات من بيع هذه الثروات من البترول و الغاز بأبخس الأسعار لصالح الشركات الغربية الكبرى .

و من فوائد الارهاب أيضا أنه يعمل بقوة على إسقاط الدولة الوطنية و تدمير مختلف مؤسساتها بما فيها قواتها المسلحة مما يؤدي لاشاعة عدم الامن و الأمان في الدول المستهدفة فتنتشر الجريمة و تتوقف عمليات التنمية و ترتفع الاسعار فينمو الغضب الشعبي مما يثمر في نهاية المطاف عن الفوضى الخلاقة التي أبتدعتها كوندوليسا رايس وزيرة خارجية إدارة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن .

و إذا كان تشجيع الإرهاب قد صب في مصلحة الولايات المتحدة إقتصاديا بشكل غير مسبوق إلا أنه صب أيضا في مصلحة الحليف الأكبر في المنطقة ، إسرائيل ، فلم يعد أحد يتحدث عن القضية الفلسطينية فجميع دول المنطقة مشغولة بكيفية مواجهة جماعات إرهابية مسلحة أو إفشال مخطط تقسيمها لدويلات أو إحباط مخطط قطر التآمري الذي يقوم على تدعيم الجماعات الإرهابية في الوطن العربي و على رأسها جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.

أما بالنسبة لقناة الجزيرة القطرية التي تضع دول الخليج من إيقاف بثها على رأس شروطها لوقف مقاطعتها لقطر فقد جاء الرد مؤخرا من تقرير بثته صحيفة تايمز البريطانية أكدت فيه أن أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية دافعت بقوة عن قناة الجزيرة لأنها قدمت للعرب صورة متوازنة و متنورة عن إسرائيل بفتح منابرها أمام القادة و المسئولين الإسرائيليين مما يستبعد معه أن ينفذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو ما أعلنه منذ أيام عن نيته إغلاق مكاتب الجزيرة في إسرائيل تضامنا مع دول الخليج نتيجة دعم قطر للإرهاب .

كما أصبحت إسرائيل المستفيد الأول من تشجيع الإرهاب الشيعي الإيراني لا سيما من خلال قيام قطر بتدعيم عصابة الحوثيين في اليمين الموالية لإيران و تمويل محاولات قلب نظام الحكم في البحرين لمصلحة الطائفة الشيعية لتضع بذلك قطر دول الخليج في نفس المعسكر الإسرائيلي الذي يخشى من تمكن إيران من تصنيع السلاح النووي لتتحول إسرائيل بذلك من عدو تاريخي لهذه الدول إلى حليف إستراتيجي وفقا لنظرية "عدو عدوي صديقي ".و الغريب في الأمر أن سياسة قطر أصبحت ترتكز بشكل علني على زعزعة إستقرار حليفاتها في دول الخليج التي دائما ما تميزت باستقرارها نظرا لاستنادها على ثروات نفطية هائلة و كثافات سكانية قليلة وأرتفاع مستوى المعيشة فيها .

و رغم كل هذه المكاسب التي تحققت للولايات المتحدة نتيجة دعمها للإرهاب إلا انها وجدت نفسها في البؤرة التدميرية لسلاح الإرهاب الموجه لدول المنطقة ، فتشجيع الإرهاب بالتمويل و الملاذ الآمن و توفير البنية التحتية الإعلامية له لهدم الدول أدى إلى تعملق الإرهاب و تحوله إلى منظومة دولية إنتقلت من دول الشرق الاوسط لتعبر البحر المتوسط لتضرب هذه المنظومة بقوة و شراسة دول غربية حليفة لأمريكا مثل فرنسا و بريطانيا و بلجيكا و ألمانيا بقدر ما تضرب الدول العربية و الإسلامية .

 كما وجدت أمريكا أن سياسة تشجيع الإرهاب لم تؤدي فقط لعبور الإرهاب لمياه الحر المتوسط بل قويت قدرة الإرهاب على السباحة لتعبر الأطلنطي لتضرب الأراضي الأمريكية التي تحتضن جاليات عربية مسلمة كبيرة من بينها أمريكيين من أصول إفريقية يعتنقون الإسلام و يشعرون بقدر رهيب من التفرقة حيث تعيش نسبة غير قليلة منهم في كانتونات فقيرة تنمو فيها كل مظاهر الحقد على الرجل الأمريكي الأبيض الثري .

كما تبين لأمريكا أن تعملق الارهاب لدرجة عبور البحار و المحيطات أفشل نظرية " توطين الإرهاب في دول الإرهاب "أي تشجيع الإرهاب في الدول العربية و الإسلامية لتبقى الدول الغربية بمنآى عن الإرهاب أو بالمعنى المصري الدارج " خلي العرب و المسلمين يقتلوا في بعض و أحنا نقعد نتفرج " .

كما أدركت إدارة ترامب أن سياسة إسقاط الدولة الوطنية كان لها نتائج سلبية خطيرة على أمن الدول الغربية فإسقاط الدول مثلما حدث في سوريا أدى إلى ظاهرة الهجرة غير الشرعية تجاه أوروبا بكل ما تحمله هذه الهجرة من سلبيات بما فيها تحميل الغرب و على رأسه الولايات المتحدة مسئولية تدمير بلادها و تحويل مواطنيها إلى لاجئين و مشردين يعيشون في الغالب في خيام للإيواء ليتحولوا مع الوقت إلى قنابل موقوتة على أتم الاستعداد للقيام بعمليات إرهابية في الدول المسئولة عن تدمير بلادهم .

أما الخطر الأكبر الذي فوجئت به أمريكا من جراء تشجيع الإرهاب و إسقاط الدولة الوطنية هو عودة روسيا العدو اللدود لأمريكا إلى منطقة الشرق الأوسط بكل ما تحمله هذه العودة من قدرات عسكرية روسية هائلة برا و بحرا و جوا . فللمرة الأولى منذ أن غادر الروس المنطقة بقرار من الرئيس الراحل أنور السادات قبل حرب أكتوبر 1973 بطرد الخبراء الروس تجد روسيا السبيل في مكافحة الإرهاب للعودة من جديد للمنطقة ليس فقط بالنفوذ السياسي و لكن أيضا بالوجود العسكري و القواعد العسكرية .

و خلاصة الكلام أن موقف ترامب المائع من جماعة الإخوان الإرهابية بالإمتناع عن تصنيفها جماعة إرهابية بزعم أن الإخوان يشاركون في حكم بعض الدول العربية و الإسلامية و طبطته على قطر التي تستطيع أمريكا منعها من تدعيم الإرهاب في لمح البصر لو حلقت طائرة واحدة تقلع من قاعدة العيديد الأمريكية بقطر ، أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط ،فوق قصر تميم و موزة بالدوحة يثبتان بما لا يدع مجالا للشك أن إدارة ترامب ستنتهج سياسة تقوم أولا :على تشجيع الإرهاب لزعزعة إستقرار دول منطقة الشرق الأوسط و حملها على دفع فاتورة حمايتها و ثانيا :مكافحة الإرهاب عندما يستهدف الإرهاب الولايات المتحدة و مصالحها و مصالح حلفائها و على رأسهم إسرائيل .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط