الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تأملات طبية إسلامية (4)


نواصل شرح المزيد من الإعجاز والسبق العلمي في القرآن الكريم والحديث الشريف.

1- استنساخ البشر: أواخر القرن الماضي ثارت ضجة كبيرة حول استنساخ البشر وتحمس لفكرته الملايين، لكن توقف الحديث عنه الآن.. لماذا؟ لأنه تبين أن الاستنساخ لن يحل مشكلة رجل عقيم أو امرآة عاقر، فهو يوفر توأما للشخص وليس ابنا له، كما ثبت أن الشخص المستنسخ لن يمر بطفولة طبيعية، بل سيبدأ عمره من عمر الشخص الذي تبرع له بالنواة، لأن الجينات التي توقفت من تقدم سن المتبرع لن تنشط وتعمل مرة أخرى في المستنسخ، ولهذا السبب ماتت النعجة دوللي بأمراض الشيخوخة قبل أن تكمل عامين، وهي أول نعجة ولدت بالاستنساخ، مع أن متوسط عمر الغنم معروف ما بين 8-13 سنة.. فشل الاستنساخ لأنه مخالف لأمر رب العالمين وسنته في خلقه. "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" (الحجرات 13).. ومهما حاول الإنسان الابتعاد عنها، فلا بد أن يعود إليها.

2- المغيبات الخمس: الساعة والغيث وما في الأرحام والرزق والموت.. "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت" (لقمان 34) .. خمس مغيبات لا يعلمها إلا الله، لكنه سبحانه أمرنا بالتأمل والتفكر، بمعنى أن حجب الشىء لا يمنع التفكير فيه. خبراء الأرصاد يتنبأون بدرجات الحرارة والرياح والأمطار، والطبيب يحاول بالفحوصات استكشاف ما في الأرحام، والموظف يحسب مقدار راتبه الشهري قبل موعده.. كل هذا يحدث.. استطلاع المغيبات عملية لا ضير فيها ولا خوف منها على إيمان البشر، لأنه مهما حار الإنسان ودار، سيبقى محصورا في علم الله وإرادته، وتحت سقف الآية "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا" (البقرة 32).

3- التسبيح الذي لا نفقهه: جاء في سورة الإسراء "وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم (44).. لسان البشر يعرف "السبحنة" ويمارسها، لكن كيف يسبح كل شىء؟ قلنا في المغيبات إن حجب الشىء لا يمنع التفكير فيه، وكل حسب اجتهاده.. ولأني طبيب، يمكنني القول إن تسبيح أعضاء الجسم لربها هو طاعتها في تنفيذ أمره.. قلبك يدق ليبقيك حيا وأنت يقظ أو نائم.. هذا تسبيح القلب.. والكلية مشغولة بجمع السموم وطردها على مدار الساعة.. وهذا تسبيحها، جيوش من الخلايا الدفاعية تدافع عنك ضد الجراثيم والأمراض، ويسقط منها مئات الألوف من "الشهداء" في جسمك وأنت لا تدري.. وهكذا.. تسبيح كثير يحدث من حولنا وفي داخلنا لا نفقهه ولا نعرف حدوده.

4- بر الوالدين: لم يغرس فينا سبحانه وتعالى عاطفة لرعاية الوالدين كالتي غرسها فينا لرعاية الأبناء، إذ خصص مراكز عديدة في مخ الإنسان والحيوان لرعاية الأبناء وجعلها غريزة، لكن لم يخلق مراكز مشابهة في المخ لرعاية الوالدين، بل حددها بنصوص، وجاء التحذير صريحا في القرآن الكريم بعقاب من يقصر فيها ومكافأة من يقوم بها "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا" (الإسراء 23).. هكذا جاء الأمر ببر الوالدين مباشرة بعد توحيد الله سبحانه وتعالى.. ومن حيث المعاملة وفي نفس الآية "فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما".

5- قال تعالى "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ.. إلى آخر الآية" (آل عمران 14). فكرت في الفعل المبني للمجهول " زُيِّنَ" وتساءلت من هو الفاعل الذي زين للناس هذه الشهوات ؟ وجدت عند المفسرين قولين: المزين هو الله، أو المزين هو الشيطان، وخلط القرطبي بينهما بقوله: "تزيين الله تعالى إنما هو بالإيجاد والتهيئة للانتفاع، وتزيين الشيطان إنما هو بالوسوسة وأخذها من غير وجوهها".. وهذا علميا صحيح، فقد أوجد الله في مخ الإنسان مراكز للشهوات، هي التي تحركه وتدفعه بقوة وإلحاح للحصول عليها، وتقع أغلب هذه المراكز عند قاع المخ، ولها نظائر في الحيوانات والطيور أيضا، وإن كانت الأخيرة لا تعرف المال، لكنها تفهم جيدا معنى الملكية والحب والبناء الأسري.

6- الإنسان والجن: موضوع الجن حير العالم.. فهو لا يدرس في مقررات كليات الطب ولا يتعامل معه أطباء المخ والأعصاب، وترك التعامل فيه لشريحة غامضة من البشر يزعمون التواصل مع الجن وإخراجه من أجسام الناس بطرق غريبة.. وجود الجن مؤكد في القرآن والحديث وفي الأديان الأخرى أيضا، وتصف الآية 275 من سورة البقرة حالة المس "كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس".. الصعوبة وربما الإعجاز في هذا الموضوع، إن أعراض التلبس بالجن تشبه أمراضا عصبية معروفة كالهستيريا والشيزوفرينيا والهلوسة، ولا يمكن التفريق بينهما، وأتطلع إلى اليوم الذي يمكننا فيه الفصل بين مس الجن والأمراض العصبية، من خلال التحاليل الطبية أو صور الأشعة أو غيرها.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط