الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المعارضة من الثورة إلى الثروة.. سوريا أنموذجًا


أي ثورة كانت وانطلقت إن لم يكن لها مشروع فلسفي مجتمعي يهدف إلى التغيير المجتمعي ونحو الأفضل مع الاعتماد على القيادات والأفراد المنظمين فكريًا، لا يمكن لها أن تتجه نحو النصر والنجاح مطلقًا وأنها لن تكون سوى عبارة عن مسننات تطحن شعبها وقبل ذلك نفسها وستحفر قبرها بذاتها ولن تكون موجودة إلا من أجل تنفيذ أجندات الغير وسيتحول من كانوا يدعون الثورية إلى مجرد عبارة عن قطاع طرق وأشقياء لا غير، فأساس نجاح أي ثورة يكمن في ذاتها أولًا وأخيرًا قبل الاعتماد على العامل الخارجي الذي سوف ترتهن لأجنداته البعيدة كل البعد عن آمال وطموحات المجتمع.

وإذ عدنا إلى ما عيشناه ما يسمى ثورات "الربيع العربي"، لرأينا بكل وضوح سبب فشلها وخسارتها الكبيرة وأنها بذاتها حولت هذا الربيع إلى جحيم يلوك أبناءه ويدمر ما تبقى ما يشير إلى أنه ثمة مدنية كانت هنا.

معظم تلك الثورات كانت لها أسبابها المشروعة، ولكن الأسلوب الذي اتبعته لم يكن هو الأسلوب السليم والصحيح للوصول إلى النجاح ونيل الكرامة التي نحن بحاجة إليها قبل أي شيء آخر، فلا معنى للحرية إن لم نمتلك الكرامة وكذلك لا معنى للاستقلال إن لم نمتلك الحرية.

ثالوث لا يمكن الاستغناء أو غض الطرف عنه "الكرامة والحرية والاستقلال"، وأي عنصر من هذا الثالوث يتم الاستغناء عنه كرمىً لعيون عنصر آخر ستكون النتيجة وخيمة وإن تحقق الاستقلال. وهذا ما نراه ونعايشه في حاضرنا من خلال من ادعى أنه سيجلب الكرامة ولكنه تخلى عن الحرية وجلب الدمار بدلًا من الاعمار، والعبودية بدلًا من الحرية. أين هم من كان يدعي الثورة الآن وأين هم من مجتمعهم وشعبهم؟

الاعتماد على الخارج جلب الويلات للجميع وبات الدمار والظلم والقتل والتهجير هو العنوان الرئيس لنيل الحرية. مع العلم أنه لنيل الحرية لا بد من تضحيات جسام ولكن أين متى وكيف هي الأسئلة التي يجب أن تجيب عنها الثورة، وإلا ستحل اللعنة بدلًا من النعمة.

تركيا وقطر اللتان اعتمدت عليهما من كان يسمي نفسه ثوريًا ولبس قناع الحرية ولكن ما كان يحمله من فكر لم يتعدى لحيته النتنة تحت مسميات شتى، فماذا ستقدم تركيا وقطر من حرية في حين أنها من تعاني وتعيش العبودية حتى نخاعها، فلا المال القطري ولا الدعم التركي خلّص الثورة من الانهيار وأصبح كل همّ الثوريين هو جمع الثروة من دماء الشعوب والتجارة باسمهم وهم يعيشون في فنادق العار في تركيا وقطر وتركوا شعبهم يستغيثون ويتشردون باسم "الله أكبر".

بهذا الشعار بدأوا الثورة وبها قتلوا الآخر واقتتلوا فيما بينهم وراح الكل يقتل الكل تحت هذا الشعار الذي بكل تأكيد أن الله بريء منهم وليس له علاقة بهذه الأعمال بتاتًا. وانتهت المعارضة وستنتهي معها الدول الداعمة أيضًا في القريب وسنقلب على تركيا وقطر السحر أيضًا.

سوريا بلد الحضارات ومنبع العلوم وأرض ميزوبوتاميا التي كانت في يوم ما مقصد كل من يبحث عن الحقيقة، باتت وجهة كل من يريد أن يتصدق على شعبها بفتات ما تبقى على موائدهم أو ما نهبوه من أرضنا. سوريا التي علمت البشرية هندسة الإعمار وإنشاء المدن والمدنية باتت تستجدي من يقوم بإعادة الإعمار فيها كي تقيهم حرّ جراء ما فعلته أيديهم من دمار وخراب. إنه الجنون بحد ذاته كالطفل الذي يسرق من أباه وبيته، فلا الأب سيسامحه ولا الذي حرضه على السرقة سيكافئه.

الثورة هي عمل ومشروع فلسفي هدفه بناء المجتمع والإنسان الحر قبل كل شيء، وكذلك البحث عن الحقيقة المخبأة في ثنايا مؤسسات الدولة الناهبة للحرية والكرامة. والثورة ليست فقط امتشاق السلاح وتدمير وقتل الآخر، بقدر ما هو العمل على إعمار ما كان مفقودًا أي الكرامة. وهذا ما كانت تفتقده المعارضة في سوريا أو في الأماكن الأخرى وكانت النتيجة ما نراه الآن.

الكرد أدركوا معادلة الثورة وعملوا على إحيائها وزرع الأمل في صفوف الشعب في ميل الكرامة والحرية التي هي أهم بكثير من الأمور الأخرى. وعملوا على قطع دابر الفتنة العرقية والطائفية والمذهبية في مجتمعهم واعتمدوا على سياسة أخوة الشعوب والتعايش المشترك بينهم بدلًا من إنكار الآخر وقتله على الهوية، وهنا كان السر في نجاحهم حتى باتوا الرقم الصعب في المعادلة الشرق أوسطية. بناء المجتمع الديمقراطي المبني على فلسفة الأمة الديمقراطية هي الشيفرة التي من خلالها دخل الكرد التاريخ، والتي هي بعيدة كل البعد عن الأمة الدينوية والقوموية المتعصبة الشوفينية. فكان مجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية هو الأمل في بناء مجتمع ديمقراطي يحتضن كل المكونات الذي أساسه الغنى في التنوع والاختلاف التي هي أساس الحرية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط