الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تسول "دليفري"!!


بدون مقدمات أصبح شهر رمضان هو الشهر الرسمي للتسول حتى وصلنا إلى مرحلة "التسول الطبيعي" الذي نمارسه بلا خجل ولا وجل وعليه العوض ومنه العوض في شهر الرحمة وشهر البركات والصلوات الطيبات والتراويح الذي أصبح رسميا "شهر التسول"!

والآن مضى رمضان وانقضت أيامه ولم تنتهِ مخلفات الإعلانات المسيئة للشهر الكريم وللمصريين عمومًا.. أصبح هذا الشهر الكريم للأسف هو الموسم الطبيعي للتسول الفضائي من كل المصريين ليتبرعوا لكل شيء وبأي شيء ولأي شيء في مصر.. فجميع المستشفيات بلا استثناء إعلاناتها تملأ شاشات الفضائيات.. ولا يوجد مستشفى للأطفال أو للكبار لعلاج القلب أو السرطان أو حتى لعلاج نزلات البرد إلا وله إعلان يطالب فيه المصريين جميعا بإخراج زكاتهم والتبرع للمستشفى وكله بثوابه والأجر والثواب عند الله.

ولا توجد جمعية خيرية حتى ولو كانت مشبوهة وعليها الكثير من علامات الاستفهام إلا ولها إعلان أو أكثر لجمع التبرعات للفقراء وجمع الملابس للمحتاجين.. ومساعدة الأيتام أو حتى لإدخال المياه النقية لمناطق محرومة منها.. 

اعتراضنا هنا ليس على التبرع وعمل الخير كقيمة من قيم العدالة الاجتماعية والدينية فالمصريون يقدمون الخير في كل وقت كطبيعة شعب وليسوا في حاجة لمن يذكرهم بها أو يوجههم للتبرع في مستشفى أو ملجأ أو حتى لفقير في بيته.. ولكن الاعتراض الأكبر على كم هذه الإعلانات وكيفية عرضها للحالات بشكل يسيء لمصر في الداخل وفي الخارج حتى تظهر في صورة الدولة المتسولة التي تعتمد على التسول لإطعام مواطنيها وعلاجهم وكسوتهم.. 

الأمر مرفوض جملة وتفصيلا أن تكون كل إعلانات الشهر الكريم تسولا بلا معنى وبهذا الكم الرهيب.. وأن تتم مطاردة المشاهد من قناة إلى قناة بإعلانات مستفزة قد تدفع البعض إلى رفض مبدأ التبرع من الأساس.

أما استغلال حالات المرضى والأطفال بالشكل المستفز الذي يظهرون به خاصة من مصابي السرطان أو من كبار السن أو غيرهم فهو أيضا أمر مرفوض جملة وتفصيلا.. ولا يمكن بحال من الأحوال أن نقبل كمصريين إهانات لمصر كلها بهذا الشكل.. 

والمؤسف أن مستشفيات حكومية أيضا تقوم بالإعلان نفسه لجلب التبرعات رغم أنها لا تقدم أي خدمة حقيقية لمرضاها من الفقراء بعد أن أصبح العلاج في أي مستشفى حكومي بمثابة انتحار لأي مريض تجبره الظروف على التعامل مع أي منهم.. ورغم ذلك فنفس المستشفى الذي يعاني من عدم وجود إمكانات هو نفس المستشفى الذي أنفق الملايين على الإعلان الذي يطالب فيه المصريين بالتبرع له رغم أنه لم يقدم لهم أي خدمة طبية محترمة !

المثير في الأمر أن تكاليف هذه الإعلانات كلها والتي تتجاوز المليارات كان من الممكن أن تساهم في حل جزء من المشكلة لو تم توجيهها لإصلاح أحوال تلك المستشفيات.. ونظرة واحدة لأي نجم من النجوم الكبار الذين ساهموا في هذه الإعلانات المسيئة لوجدنا أن كل واحد منهم قد حصل على أجر بالملايين مقابل ظهوره في أي إعلان .. 

والسؤال الأهم والأخطر هنا هل هذا النجم أو تلك النجمة أو ذلك اللاعب كان من الممكن أن يقبلوا بالظهور في هذه الإعلانات مجانا لوجه الله.. وهل قام كل نجم من هؤلاء بدوره في التبرع فعلا بجزء من الملايين التي جمعها للفقراء والأيتام ومرضى السرطان والفشل الكلوي والقلب ولتوصيل المياه النظيفة للمناطق المحرومة أم أن هذا الأمر يخص الفقراء فقط .. يعني من الآخر فقير يتبرع لفقير واهو كله من الزكاة وكله عند الله..

وهل المبلغ الذي تبرع به النجم محمد رمضان في بداية شهر رمضان فهلل له الناس لروحه الطيبة هل أرضاه بعد ذلك الإعلان الذي قدم لنا فيه " كوكتيل بلطجة " لكل نماذج الشر التي أفسد بها شبابا أكثر من الذين تبرع لهم !

ضطرونا للتسول العلني المباح وغير المباح .. هل تبرع لاعبوا الكرة الذين جمعوا الملايين .. وهل تبرع الأطباء الكبار أنفسهم الذين جمعوا الملايين بل والمليارات من جيوب المرضى الغلابة أنفسهم .. وهل تبرع رجال الأعمال الذين يرفعون أسعار سلعهم ومنتجاتهم على الناس وهم يجمعون المليارات منهم .. وهل تبرع كبار تجار وصناع الحديد بجزء من ملياراتهم لبناء مستشفيات علاج السرطان أو لإدخال المياه للقرى النائية .. هل تبرع الفنانون الذين تقاضوا المليارات في مسلسلات رمضان وبرامجه التافهة وإعلاناته التي تطاردنا ليل نهار وتطالبنا بالتبرع في كل فروع الصدقات علشان ناخد تمانية من تمانية ونقول لربنا احنا أخدنا الدرجة النهائية !

وأخيرا هل هناك من يحاسب الجمعيات الخيرية التي تصل تكلفة إعلاناتها إلى الملايين ولا يعلم أحد ما قيمة التبرعات التي يحصلون عليها .. هل هناك من يحاسب هذه الجمعيات ويسألها من أين جاءت بالملايين التي تدفعها كقيمة لإعلان واحد .. وأين تذهب بالملايين التي تحصل عليها من هذا الإعلان .. ؟ 

هل هناك دولة تحاسب من يقوم بهذا السفه ويثير علينا زوابع السخرية من دول أخرى كنا فيما مضى نقدم لهم تبرعاتنا ومساعداتنا فأصبحوا اليوم يسخرون منا لأننا وصلنا لمرحلة التسول العلني .. 

أعتقد أنه لا يوجد من يحاسب ولا يوجد من يراقب وهي كلها تبرعات وكله بثوابه والصدقة واجبة والزكاة فرض واللي يزعل يزعل .. 

يا سادة الأمر ليس هينا لقد وصلنا لمرحلة سيئة لا يقبلها أي وطني شريف على بلده ولو تركنا الأمر على حاله لوجدنا في الأعوام المقبلة التسول "دليفري" يعني ممكن يوصلك لباب البيت.. وممكن ليه ما فيه جمعيات عملتها فعلا .. ولا عزاء لسمعة مصر ولا لمشاعر الفقراء والمرضى !!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط