الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشيخ الشعراوي شاعرا


كانت للبيئة التي تربى فيها الشيخ الشعراوي أثرها الأكبر في تكوين الشاعر فيه، فقد اهتم بالشعر منذ صباه وكان والده يشجعه على حفظه وخاصة أشعار أحمد شوقي( ).

وكان من أكثر العوامل على إقبال الشعراوي لشعر أحمد شوقي وجود شيخ بالقرية يسمى الشيخ مصطفى البياض – وهو فلاح صديق والد الشيخ – على حظ واسع من الثقافة، وكان مفتونا بشوقي، فقد استطاع أن يلقى على الشيخ شعر(شوقي) منغما؛ فأحب الشعراوي الشعر وتنغم بأوزانه وقوافيه( )، وشرع الشيخ محمد متولي الشعراوي في نظم الشعر سنة 1928م ولم يبلغ السابعة عشر عاما وكان شعره مسموعا، وأطلق عليه الأستاذ: محمد فهمي عبد اللطيف: الشعر المقروء، وذلك عندما طلب منه إعطاءه باكورة أعماله الشعرية( )، وتنوعت أشعار الشعراوي بين الأشعار الدينية، وأشعار المناسبات، والأشعار السياسية التي كان له معها باع طويل، فقد كتب قصيده بعودة الشيخ المراغي إلى مشيخة الأزهر، قال فيها:

الـلهُ أَكْـــبُر هــذْا أَجــرُ منْ صَـبَروا :: وجَاهَدوا في سَــبِيلِ الحقِ وانْتَــصَروا
سَتـُصبِحُ الأَرضُ والإسْلامُ قِبْلَــتِها :: مـَساجـــدَ الـلـهِ يـعـبـــده بـــِهـا الـبـشـرَ
هلْ يَحمـلُ المرءُ سَيفًا كي يُنَاصـرَه :: أو يَحْمِـلُ الناسُ سِبَحـا ما بها نـصــر( )

ومن قصائد الشيخ محمد متولي الشعراوي قصيدة ( الإسراء والمعراج ) وهى القصيدة التي صعد بها إلى سطح الحياة الأدبية حيث ظهرت مقدرته الشعرية كشاعر، فقال فيها( ):

يا لَيِلةَ المعـــــرَاجِ والإسراء :: وحى الجَلالِ وفتنة الشعراءِ
الـدّهرُ أجْـَمع أنْتَ سَـدُ نَواتِه :: وبما آتـَاك اللُه ذات دواءِ ( )
وانطلق الشعراوي إلى تفسير القرآن الكريم معتمدا على موهبته الشعرية التي برع فيها وأجادها؛ فأدت به إلى بيان ما في النص القرآني من جمال وبيان.
ومن شدة حبه للشعر وتأثره به نراه يقول: "إن القرآن به شعر من خلال النثر ومثال ذلك قوله (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ )( ) ، وهذا بيت من الشعر جاء وسط النثر دون أن يشعر القارىء فوزنها ( مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن )( ) وهذا الوزن هو من بحر البسيط التام .
و لعل هذه الموهبة الشعرية التي كبرعليها فضيلة الشيخ لم تنفصل عنه حينما وهب حياته إلى كتاب الله متعلما و مفسرا بل ذادته قدرة على إبراز مقاصد النص القرآني بنمط يتفق و روح العصر .
و قد وجد الباحث الشيخ يستعين بأبيات من الشعر العربي في تفسير كتاب الله جل علاه ؛ لأن التراث الشعري لا ينفصل عن كتاب العربية الأول – النص المبارك – الذي نزل بالعربية على قوم برعوا في الفصاحة و البيان ، و من ثم لم يكن استعانة الشيخ الشعراوي بالشواهد الشعرية في متن خواطره التفسيرية لونا من ألوان إظهار العنترية اللغوية ، بل كانت وسيلة من وسائل التواصل الشفاهي مع مستمعيه فضلًا عن إبراز المنهج التفسيري الذي نهجه الشيخ في خواطره ، فالشاهد الشعري في خواطر الشيخ الشعراوي ترجمان للسان حاله التفسيري :
قد راعى الشيخ في خواطره التفسيرية التعرض إلى بناء مجتمع إسلامي يسوده المحبة الناتجة عن التكافل الاجتماعي بين أفراده، منبها إلى أهمية الترابط الأسري؛ حتى يتسنى لهذا المجتمع جيل مترابط متماسك.

*ففي معرض تفسيره لقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) ) ( ).
استشهد الشيخ الشعراوي بأشعار شوقي ، قائلا :
لَيسَ اليتيمُ مَنِ اِنتهي أبواهُ مِن :: هَـمِّ الحَياةِ وَ خَلَّفاهُ ذَليلا
إِنَّ اليَتيمَ هُـو الَّــذي تَلقــى لَـهُ :: أُّمًّا تَخلَّت أو أبا مَشغُولاَ( )( )

غير أن الشيخ لم يذكر بيت شعري يتوسط البيتين السابقين :
فَـأَصابَ بِالـدُنيا الـحَكـيـمَةِ مِنهُـمـا::وَبِحُسنِ تَربِـيَـةِ الزَمـانِ بَديلا.
و هذا الاستشهاد جاء به الشيخ في معرض تفسيره لكلمة "اليتم " و استجلاء مرادها للمخاطب ، فالشيخ الشعراوي كان لا يجد آية قرآنية بها إشارة اجتماعية إلا و أفاض فيها التفسير ؛ فبين المراد من كلمة " اليتيم " بأنه هو الذي فقد أباه و هو طفل لم يبلغ مبلغ الرجال ؛ لأنه المعني برعايته ، بيد أن الشيخ يبرز جانبا اجتماعيا من خلال الآية المباركة محل التفسير يحث فيها المجتمع الإسلامي على رعاية اليتامى و سبيله التكافل الذي يُذِهب الحقد عن المجتمع و يجعل كل إنسان مطمئنا على أولاده ؛ و إذا ما نظرنا إلى شعر شوقي المستشهد به في الخاطرة التفسيرية نجد أن شوقي في هذا السياق رسخ شاهدا و دليلا على ما وصل إليه الشيخ من نتائج تفسيرية ، فشوقي يبرز قيمة الأبوين بالنسبة للولد و دورهما في التربية والرعاية ، فإذا ما تخلا عن دورهما في الرعاية أصبح الوليد يتيما؛ و لعل هذا رغبة من الشيخ في تفعيل دور المجتمع في رعاية الأبناء و الاهتمام بهم .
فرحمة الله على شاعر مات معليا لكلمة الحق و الفلاح.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط