الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الموصل.. نصر يبحث عن نجاح


تحررت الموصل من الإرهاب والإرهابيين بعد سنوات عجاف ثلاث من قهر ودمار الإنسان قبل تدمير المدينة عن بكرة أبيها. 

وأنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تدمير هذه المدينة العريقة، حيث كان التدمير الأول قبل الميلاد حينما هجمت عليها قوات من الميديين والفرس والحثيين في 612 قبل الميلاد، وبهذا تم القضاء على الإمبراطورية الأشورية التي كانت تُعرف باستبداديتها ووحشيتها ضد الشعوب. 

وتتالت الحملات على العراق بشكل عام وتدميره عبر التاريخ مرات عديدة من هولاكو الذي احرق بغداد والعثمانيين الذين حولوها إلى أنقاض بعدما كانت مهد المدنية السومرية.

تم دحر داعش من الموصل المدينة العاصمة الدينية لداعش التي أعلن فيها أميرهم الافتراضي خلافته التي لم تدم إلا قليلًا، ظهر فيها واختفى بين أنقاضها يصارع ذاته التي خانها ذات يوم حينما اعتلى المنبر وأعلن نفسه الخليفة ونسي أو تناسى أنَّ زمن الخلافات قد ولىَّ من دون رجعة بعد القضاء عليها بدحر آخر الخلفاء العثمانيين.

وسينتهي ويتم القضاء على داعش والإرهاب في عاصمته المدنية أيضًا في الرقة وهذا متعلق فقط بالزمن وأن النصر الكبير سيكون حينها، لأنه لن يتبقَ لهم مكان سوى بعض الجيوب هنا وهناك وستنتهي هذه المرحلة السوداء التي مرت على المنطقة، والتي عانى من شعوب المنطقة الويلات والقتل والذبح والنحر تحت اسم الدين والذي لم يسلم منهم حتى رجال الدين أيضًا. 

هدف الإرهابيين كان ترهيب المجتمعات وإخراجها عن كونها مجتمع والعودة بها إلى الحالة الشعبوية التي تبحث عن ذاتها وهويتها القوموية أو المذهبية والطائفية. 

وهنا تكمن المشكلة الأساسية في إقناع المجتمع بأنهم كيان مجتمعي قائم بذاته ولن يصطفوا ثانية طوابير أمام المسالخ ينتظرون دورهم لنحرهم وبيعهم في بازارات السياسة اللا أخلاقية وفي اسطبلات المنفعة المذهبية.

انتصرت الموصل على الإرهابيين وسيكون لهذا اليوم رمزًا يحتفل به العراقيين كل عام وسيزغردون ويعقدون الدبكة ويشربون نخب الانتصار. 

انتصار على جثث الشعب الذي صدَّق يومًا ما بأن الدولة هي من تحمي الشعوب وهي التي تسهر لتأمين الاستقرار للشعوب، وأن الدولة هي التي تنفي ذاتها من أجل الشعوب وأنه لا يمكن العيش من دون الدولة.

نعم، نحن الشعوب الشرق أوسطية نعيش هذا الوهم منذ مئات وعشرات السنين وأقنعنا ذاتنا بأن وجودنا مرتبط بحبل سري مع الدولة ولا يمكننا الفطام عنها أبدًا. هكذا كنا نؤمن ونثق بأن هناك من يحمينا ويسهر على أمننا. ولكن في ليلة وضحاها اكتشفنا زيف إيماننا وتزعزع ثقتنا ضمن ذاتنا ورحنا نلطم على هويتنا التي كنا ننتمي إليها يومًا ما واقنعنا ذاتنا بأنها هي سبب وجودنا.

نعم، كنا نتعهد ونقسم بأننا سنكون أوفياء وسنضحي من أجل ديننا وقومويتنا، ديننا الذي عن طريقه سندخل الجنة وقومويتنا التي عن طريقها سنحقق وحدتنا التي لطالما حلمنا بها ونحن صغار، وها نحن كبرنا وصرنا نلعن ونهجر انتماءنا الذي لم يكن لنا عونًا لا أمام الله ولا أمام من كان يدعي يوما ما بأن الأخوة العربية هي سبب وجودنا.

انتصر شعب الموصل ونينوى على الارهابيين لكن الحقيقة المرة التي علينا جميعًا الإقرار بها هي أنه لم ننجح كمجتمع في القضاء على الفكر الارهابي الذي ما زال يعشعش في ذاتنا التائهة في دوامة الفوضى التي تضرب منطقتنا. انتصر الشعب ولكن انهزم المجتمع. وهناك فرق كبير بين هذين المصطلحين وعلينا ان ندرك تمامًا أن لا يمكن أبدًا العيش من دون مجتمع لأنه هو الحاضنة الشعبية والانسانية وإذا فُقِدَت هذه الحاضنة فلن يكون هناك سوى استمرارية الاقتتال والتناحر على الهويات القاتلة "كما قال ادوارد سعيد".

دائمًا الشعب لا يفكر إلا بالنصر المؤزر على الأعداء، وهذا الشعب الذي يفكر بهذا الشكل هو شعب يبحث عن هويته وكيانه كشعب وكقومية، لكن المجتمع لا يفكر إلا بالنجاح والتقدم والتطور والرفاهية لأن أساس تقدم المجتمعات هو الانسان. فحينما يكون الهدف هو الانسان ونجاحه وقتها يمكن الحديث عن الأخلاق والضمير والحقيقة التي لا بدَّ لها أن تنتصر يومًا ما. أما الحديث عن حقول الانسان والمواطنة فهي ليست إلا مصطلحات تدغدغ ذهن الانسان ليصرف طاقاته في أمور ثانوية. فما قيمة المواطنة في مجتمع يخلو من الانسانية والأخلاق والضمير والعدالة.

ليكن هدفنا هو النجاح بالإنسان والانتصار على الذات الأنانية التي لا تفكر إلا بذاتها ولا يهمها المجتمع وحينما نربط النصر بالنجاح المجتمعي ونُعلي من قيم الإنسانية حينها يمكننا العيش بشكل مشترك تحت سقف الحقيقة والحرية. وحينها فقط يمكننا الفرح بدحر الإرهاب والإرهابيين.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط