الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عاصفة الخليج والراهن العربي المأزوم


ربما تبدو الأزمة الأخيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي، في كثير من تجلياتها ابنة شرعية وطبيعية للراهن العربي المأزوم، وإن كان للمرء أن يحزن على حال هذا المجلس، فذلك لكونه البناء الوحدوي العربي الوحيد الذي صمد لسنوات طويلة، بعد تعثر كل محاولات الاتحاد والتعاون بين أقطار عربية في المشرق والمغرب.

وعلي الرغم من تعدد الأزمات البينية، التي مر بها مجلس التعاون الخليجي، ودوله الأعضاء، منذ تأسيسه مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وبعيدا عن الخوض في الابتذال الذي عكسته شاشات بعض القنوات الإعلامية، ودون الهبوط الذي ظهر على صفحات بعض الصحف "الصفراء والخضراء"، فإن المحزن والمؤسف في ما يجري، هو ما آلت إليه العلاقات العربية – العربية، من ضعف وتمزق الجسد العربي الواحد.

أما عن أصل الأزمة، فقد قررت إدارة ترامب، وضع نهاية للدور القطري، هذه الإمارة الصغيرة التي طغت بفعل المال والحماية الأمريكية، وأعطت لنفسها دورا إقليميا أكثر من حجمها، وراحت تعمل على إشاعة الفوضى في الشارع العربي، وتفكك الأنظمة، وتشريد الملايين، باسم الفوضى الخلاقة، التي خلقت أزمات وحروبا ومآس لا تنتهي.

فأكدت تصريحات ترامب الأخيرة، وجود انقسام عميق في إدارته بين التيار الواقعي، الذي تمثله وزارتا الخارجية والدفاع، والذي يحرص على المحافظة على وحدة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، في الحرب ضد تنظيم "داعش"، والذي تعد قطر جزءا أساسيا منه وشريكا إستراتيجيا فيه، وبين تيار شعبوي يرى كل ما هو إسلامي إرهابيا، وكل عمل خيري تمويلا للإرهاب. ويقدم التيار الأخير، العلاقات الدولية بلغة التجارة، فهو مستعد لتسويق أي شيء مهما كان، مقابل الصفقات التجارية.

من جهة ثانية، سرى اعتقاد بأن ترامب، ربما يستغل الأزمة الخليجية، ويحاول تأجيجها لصرف الانتباه عن كابوس التحقيقات في موضوع التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية، والذي بدأ يأخذ مسارا أكثر جدية بعد الشهادة التي أدلى بها المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، واتهم فيها ترامب بالكذب في أسباب إقالته من منصبه، وأنه أقاله بسبب إصراره على المضي في التحقيقات بموضوع التدخل الروسي وعلاقة مساعدين لترامب بروسيا.

بيد أنه من الخطأ الجسيم، أن ينظر العرب إلى النزاع الخليجي، كأزمة لا تعني إلا بلدان الخليج الغنية فقط. ليس لأن الخليج جزء من العالم العربي فحسب، ولكن لأن هذا النزاع داخل منطقة الخليج هو نفسه جزء من النزاع المحتدم منذ سنوات داخل البلدان العربية، على حسم مسألة السلطة ونظام الحكم، وبشكل أساسي، مسألة الانتقال السياسي التي أصبحت، في نظر محللين كثيرين، مسألة راهنة، ولا يمكن تأجيلها، والتي يشكل إدخال الشعب، بالمعنى العام والبسيط، في حقل المشاركة السياسية والحقوق المدنية، أي في دائرة ومفهوم المسئولية العمومية الذي لا يزال محتكرا من نخب محدودة منذ عقود.

ولأن تحقيق هذه الغاية من عدمه، يشكل جزءا من الصراع الأكبر الذي يدور منذ سنوات على تقرير مصير المشرق العربي، ومن ورائه على تقرير وضع الشعوب العربية وتحديد دورها ومكانتها، بعد أن فقدت إلي حد ما، السيطرة على مصيرها وأصبحت موضوع تنافس إقليمي ودولي شامل.

لست من أنصار النظريات التآمرية في السياسة الدولية، غير أن هناك مؤشرات ودلائل كثيرة توحي بأن أحدا من الدول الإقليمية والكبرى، لا يريد المساهمة في وضع حدّ لأزمة المنطقة.

أعتقد أن هناك نوعا من التفاهم الدولي الضمني وغير المعلن، على محاولة إسقاط العرب، ومن ثم المصالح العربية، من الحساب، وإعادة تقسيم المشرق إلى مناطق نفوذ بين الدول، كل على حسب قوتها واستعدادها لأخذ المخاطر في هذا الصراع الذي من المؤسف القول إنه لا يمثل صراعا مصيريا سوى بالنسبة للعرب وحدهم، بينما تنظر إليه الدول الأخرى علي أنه صراعا على المكاسب والمغانم، وإعادة التموضع في خريطة التحولات والنزاعات الدولية.

أخيرا، ترك المنطقة تتفكك وتنهار، بل والمساعدة في تقويض استقرارها وتفجيرها من الداخل، يأتي كجزء رئيسي ومحوري، من إستراتيجية الاستنزاف العميق لشعوب المنطقة وتفريغها من قواها، والتخلص من خطر تحررها وتطرفها معا، بدفعها إلى الانتحار بنزاعاتها الداخلية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط